كيف تخرِّب ما بنيت؟

بعد جهود مضنية استمرت سنوات أقر مجلس الأمة عام 2015 قانون إنشاء جهاز المراقبين الماليين يتبع وزير المالية ويرأسه رئيس بدرجة وزير (!!)
يهدف الجهاز الى تحقيق رقابةٍ مسبقةٍ فعالةٍ على الأداء المالي للدولة، وضمان الشفافية والنزاهة والوضوح في الأداء المالي العام، وتعزيز المصداقية والثقة بالإجراءات المالية، والتأكد من مطابقة الأداء المالي للقوانين والأنظمة واللوائح والتعاميم والقرارات المنظمة لها، وتقديم الاستشارات والإرشادات اللازمة للشؤون المالية للجهات الخاضعة لرقابة الجهاز ومتابعة تحصيل الإيرادات العامة للدولة. ولكن غالبية ما ورد أعلاه من أهداف، وبعد مرور ثلاث سنوات على تأسيس الجهاز، لم يتم التقيد بها أو تنفيذها، أو تمكين الجهاز من القيام بها، وخاصة ما تعلّق بعهد المليارات.
ولبيان عدم جدية عمل الجهاز ما أصبحنا نراه من تلكؤ بعض من مسؤوليه في معالجة الانحراف الذى يكاد يكون متعمدا في افراغ القانون من محتواه، فضلا عن استمرار مسلسل الاساءة وطريقة التعامل السيئة مع المراقبين الماليين العاملين في الجهات الحكومية، ومحاولة الانتقاص الواضح من حقوقهم المهنية.
ومن المؤشرات الأخرى التي نراها دالة على «تمييع» عمل الجهاز ما صرّح به رئيسه مؤخرا بأن «للمراقبين الماليين» حق تلقّي هدايا، وبأي صورة كانت، لا تزيد قيمتها على مئة دينار! ويثير هذا القرار كثيراً من علامات التساؤل، خاصة عندما نعلم أن قانون تأسيس الجهاز يمنع تلقّي هؤلاء أي مبالغ أو مكافآت من أي جهة عامة أو خاصة، قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر في حيادية واستقلالية عملهم. وبالتالي، فإن هذا القرار غير قانوني أصلا، ولا معنى له ولم يستجد شيء يبرر صدوره، ولا يعني إلا تمييع مهمة المراقبين الماليين. فماذا سيفعل رئيس الجهاز مثلا إن تلقّى أحدهم لوحة فنية ثمينة مثلا هديةً، ولكن تم تقدير ثمنها بمئة دينار؟ وماذا لو كانت بــ101 دينار مثلا؟ فهل ستتم معاقبة الثاني من اجل دينار، وعدم التعرّض لصاحب اللوحة الثمينة، لأن جهة ما ثمّنتها بــ100 دينار؟
إن مجرد صدور مثل هذا التصريح ان صح أو الإجازة غير المعقولة دليل على أن عدم الجدية في عمل الجهاز سيكون هو الغالب.
إن الالتزام بوظيفة الجهاز مسألة ليست سهلة، وغير مرغوبة أصلا من كثير من الجهات. كما أن تطبيق كل مهام الجهاز الرقابية سيؤخر، خاصة في البداية، أعمال جهات عدة، ولكن النتائج الإيجابية للرقابة المسبقة ستظهر مع الوقت، وتبيّن مدى الحاجة إلى وجوده في ظل كل هذا الهدر، وهذه السرقات التي أصبحت أكثر من علنية.
نتمنى في ختام مقالنا المقتضب هذا على رئيس الجهاز، المحامي عبدالعزيز الدخيل، التراجع عن قراره السماح للمراقبين الماليين تلقّي هدايا عينية أو نقدية، بأي مبلغ كان، خاصة أن من صميم عمل هؤلاء المراقبين منع كبار موظفي الدولة من تلقيها. كما تقع على الرئيس مسؤولية توفير الحماية للمراقبين الماليين ودعمهم، وليس الحطّ من قدرهم، كما يشاع.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top