الممنوع من النشر

يستغرب، أو يستنكر الكثيرون، قيام صحيفة ما في الكويت بمنع نشر مقال لكاتب لديها، خاصة عندما لا يجدون في المقال شيئا يستحق المنع من وجهة نظرهم، غير مدركين أن منع أي مقال مسألة تقديرية متروكة لأصحاب أو محرري الجريدة، او المطبوعة، لا يعرف حقيقة دوافعها غالبا غيرهم.
طُلب من جون سوينتون
(john swinton (1901 – 1829 المدير الإداري السابق لــ «النيويورك تايمز»، أقوى صحف العالم تأثيراً وقوة، وأكثرها احتراما، وذلك في حفل «نادي نيويورك للصحافة»، طلب منه المشاركة في تناول نخب حرية المطبوعات في أميركا، فوقف وقال: ليس هناك شيء من هذا القبيل. أنتم تعرفون ذلك وأنا أعرفه. فليس هناك بينكم شخص واحد يمتلك الجرأة على قول رأيه بصراحة وأمانة. وان امتلك أحدكم هذه الجرأة فأنتم تعلمون مسبقا بأن هذا الرأي الصريح لن يجد من ينشره. وأنا شخصيا يدفع لي أجري مقابل أن احتفظ برأيي لنفسي، وبعيدا عن الصحيفة التي تربطني علاقة بها، وانتم تدفع لكم رواتبكم لنفس الأسباب، ومن يتجرّأ على فعل خلاف ذلك فسيجد نفسه في الشارع، بلا عمل. إن وظيفة الصحافة تتمثل في تحطيم الحقيقة، الكذب بكل وقاحة، والكذب والتزلف.. أنتم تعرفون ذلك وأنا أعرفه، وبالتالي لا داعي لذكر حماقة تناول نخب حرية الصحافة واستقلاليتها، فنحن أداة بيد اصحاب الثروة خلف الستارة، ونحن العرائس أو الدمى التي تحركها الخيوط من أعلى.. إن قدراتنا ومواهبنا، وحتى حياتنا جميعها ملك هؤلاء.
* * *
لا شك في أن هذا الكلام، الذي قيل قبل أكثر من 120 عاما، به شيء من الحقيقة وبعض المبالغة، فما ينطبق على الصحافة ينطبق على كل وسائل الإعلام وغيرها من مشاريع تجارية او سياسية، تخضع الأمور فيها، في نهاية الأمر، لمن يملك رأسمال المؤسسة، وهذا حقه الطبيعي.
ولكن من الإنصاف أن نعترف بأن الصحافة، على الرغم من كل ما كيل لها من ذم، كانت ولا تزال، ضمير أي أمة حرة، وكانت لها، محليا ودوليا، مواقف مشرفة لا يمكن إلا احترامها والإعجاب بها. كما دفع المئات من محرري الصحف وأصحابها، في كل أنحاء العالم، حياتهم ثمنا لمواقفهم وآرائهم، ولبنان خير مثال. كما انني مررت بتجارب مماثلة تعرّضت فيها حياتي ومصالحي للخطر، هذا غير ما تعرّضت له من خطر الحكم عليّ بالسجن، وتجربتي لا تقارن بتجارب غيري الذين دفعوا بالفعل بسبب مواقفهم وأقوالهم أثماناً مع إصرارهم على قول الحق، والمجاهرة بآرائهم. كما ساهمت كتابات كثيرة في تغيير نظم حكم ديموقراطية ودكتاتورية، والإطاحة برؤساء وملوك.
نعود ونقول إن الحقيقة التي لا جدال فيها أن من الصعب اليوم، أو من الاستحالة، أن يقول الكاتب رأيه من دون مواربة وبأمانة تامة، وأسباب ذلك لا تعد. فلكل صحيفة ودولة ظروفها، ولكل موضوع محاذيره ولكل فرد ومجتمع خطوطهم الحمراء، وبالتالي لا توجد حرية مطلقة في أي أمر في الحياة تقريبا، فجميعنا مقيدون بأوامر ومحظورات، وبالتالي نتمنى أن تعيد الحكومة قانون المرئي والمسموع لمجلس الأمة لتعديله؛ ليصبح أقل سوءاً!
أحمد الصراف


الارشيف

Back to Top