العودة إلى الدولة المدنية

تداول المشاركون في وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة كشوفاً تبيّن أنساب أسر الكويت وأصولها، وقبائلها، متضمنة في الغالب كمّاً كبيرًا من الأمور المعروفة وغير المهمة، وكمّاً آخر من الادعاءات والأخطاء الخطيرة، التي لا يمكن النظر لها بحسن نية أبدًا، هذا بخلاف أن تلك «المعلومات» لا تنسجم أصلاً مع ظروف العصر، بعد أن تجاوزها الزمن.
من المعروف أنه كلما زادت مدنية الدولة، اضمحلت الفوارق بين فئات المجتمع وأصبح أكثر تلاحمًا. وكانت الكويت سبّاقة في مجال تمدين مكوّنات الشعب، والدولة الخليجية الأولى، أو الوحيدة، التي اختارت، في بدايات نهضتها التخلص من الإرث القبلي عن طريق خلط مكونات المجتمع ودفعها إلى المشاركة في السكن في أحياء وضواحٍ نموذجية جديدة، وهذا ما رأيناه في بداية ستينات القرن الماضي في السرة والدعية والشعب، وبعدها، وإن بشكل أكثر كثافة في بيان ومشرف، وبدرجة أقل تاليًا في الأندلس والعارضية.
ثم رأت جهات معينة في الدولة، مع تزايد حركة التجنيس العشوائية أنه من الأفضل السماح للفرز القبلي والمذهبي أن يأخذ مداه، عن طريق فتح باب تبادل بيوت السكن بين منطقة وأخرى، لغرض نقل الصوت الانتخابي من المنطقة «أ»، حيث لا قيمة له إلى المنطقة «ب»، حيث قيمته كبيرة! وهكذا نشأت، بعلم الحكومة ورضاها، مناطق انتخابية كاملة ذات لون قبلي أو مذهبي واحد.
لفولتير مقولة شهيرة، نصّها «حقّق النجاح في حياتك وسيغنيك ذلك عن الزهو بتاريخ أجدادك»!
ويبدو أن فشل البعض في حياتهم كأفراد دفعهم إلى الزهو بتاريخ أسرهم، أو قبائلهم. ولقد رأينا، مرارًا وتكرارًا، كيف أصبح أشخاص من خلفيات أسرية صغيرة أو مدنية عادية، كرفيق الحريري في لبنان والفايد في مصر، ومئات الآلاف غيرهم في كل دول الخليج والعالم، مع التقدير والاحترام لهم، كيف أصبحوا شخصيات شهيرة وهدفًا للمصاهرات الأسرية لأنهم حققوا لأنفسهم نجاحًا سياسيًا أو ماليًا عظيمًا، وهو النجاح الذي أدى إلى تغيّر نظرة المجتمع لهم بشكل إيجابي كبير، على الرغم من عدم وجود قبائل أو أسر كبيرة تقف خلفهم، ولا ألقاب «نبيلة» تسبق أسماءهم!
ويحضرني في هذا المجال قصة زواج الأمير رينيه، عاهل موناكو الراحل، الذي قام شخصيًا باختيار نجمة سينمائية من هوليوود، وليس من بنات أسر أوروبا الملكية مثلاً، لكي يقترن بها. كما يمتلئ فضاء الإنترنت أيضًا بأخبار اقتران أمراء ونبلاء بفتيات أسر شهيرة، متواضعة الخلفيات، إما لشهرتهن، وإما لجمالهن، والعكس صحيح، وخطوبة الأمير هاري ابن ديانا وشارلز على الممثلة الأميركية ميغن ميركل خير مثال!
نعود إلى مقولة فولتير إن ما علينا غير أن نبلي البلاء الحسن في الحياة، وستأخذ بقية الأمور مجراها الطبيعي.
أعيد نشر هذا المقال، الذي سبق ان نشر في القبس قبل سنوات، بتصرف للتحذير من تسارع انزلاق مجتمعنا الصغير والهش اجتماعيًا، نحو الطائفية مع تزايد العنف الطائفي اللفظي للكثير من النواب، الذي قد يتطور لما هو أسوأ، وكأن الطائفة هي التي ستنقذنا إن احترقت مجتمعاتنا من تصرفات السفهاء منا!.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top