المرأة جوهرة أم عورة؟

كنت في مقتبل العمر عندما ذهبت لاستلام جواز سفري من الإدارة المختصة في الشويخ، وكانت تلك أول تجربة أو مواجهة لي، خارج بيئتي، مع صورة المرأة في مجتمع «عاداتنا وتقاليدنا».
كنت أقف في طابور الاستلام عندما تعالى الصياح بين من كان يقف في أوله وبين موظف الجوازات، وتبع ذلك تشابك بالأيدي بين الطرفين كاد أن يتطور للضرب، لولا تدخل رئيس القسم.
تبين بعدها أن المراجع «الشهم»، كان يصر على دخول غرفة التوزيع، والبحث فيها بنفسه عن جواز والدته، ولكن الموظف منعه من الدخول، والسبب أن المراجع رفض البوح باسم أمه، كونه عورة، أمام الموظف وبقية المراجعين، وأصر على البحث عن جواز أمه بنفسه، ورفض الموظف طلبه بطبيعة الحال. تدخُّل المسؤول أوقف تدهور الوضع وأنهى الخلاف بطريقة «حبيّة»، تنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا، التي جعلتنا أفضل من اليابان والألمان، حيث طلب رئيس القسم من المراجع كتابة اسم أمه على ورقة، ليقوم هو، أي الرئيس، وليس أحد غيره، بالبحث عن الجواز المطلوب، من دون أن يسمع أحد باسم والدة المراجع الحمش، وهكذا انتهى الإشكال!
حدث هذا قبل نصف قرن، ولكن لا يزال هناك الكثيرون الذين يرفضون أن يعرف الغير أسماء زوجاتهم أو أمهاتهم، وكأن الزمن لم يتغير، والوقت لم يحن لتجاوز صغائر الأمور، والدليل على ذلك قصة طريفة أخرى أخبرني بها صديق وافد، وإن كانت بنظري مبكية، وتدل على أن غالبيتنا لم تتغير من الداخل كثيرا، ولا نزال نتعلق بالبالي والغريب من العادات والتقاليد.. يقول إنه عندما جاء للكويت، قبل ثلاثين عاما، لاحظ أن أسرا كثيرة لم تكن تنجب فتيات. وأن ملاحظته تلك استقاها من قراءة ما كان ينشر من إعلانات العزاء، التي كان يرد فيها اسم المتوفى أو المتوفاة، ومكان تقبل العزاء، وأسماء أبناء المتوفى، وكانوا دائما من الذكور. وعندما تكررت الظاهرة في إعلانات العزاء، قال لنفسه إن في الأمر، حتما، سرا غريبا يجب كشفه، فلا يمكن أن يكون نسل الكويتيين جميعا محصورا بالذكور فقط، وعندما سأل صديقا كويتيا عن تلك الظاهرة ضحك الأخير، وقال له إن العرف جرى على ذكر أسماء الذكور في إعلانات العزاء والنعي، وتجنب ذكر بنات المرحوم، لأن أسماءهن «عورة».
تذكرت هذه القصة عندما قرأت إعلانا تضمن شكر الرجال والنساء الذين شاركوا في تقديم واجب العزاء في فقيد أسرة معروفة، وهذه أول مرة يرد في مثل هذه الإعلانات شكر للسيدات، وهذه لا شك مبادرة جميلة تستحق أن يتبعها الجميع بالإصرار على نشر كامل أسماء أبناء وبنات المتوفى، وليس الذكور منهم فقط، وأن نتوقف عن الخجل من ذكر أسماء بناتنا وأمهاتنا في إعلانات العزاء، فهن زهرات بيوتنا وأجمل ما فيها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top