غوبلز.. و«السراج المنير»

اشتهر عن غوبلز، مسؤول الدعاية النازية في عهد هتلر، قوله إنه كلما سمع كلمة مثقف وضع يده على مسدسه. وكلما سمعت من سائقي المصري في القاهرة «ما تقلقش يا باشا»، أشد ربط الحزام بقوة أكثر، وأبدأ بالخوف! وعندما أسمع رجل دين، أي دين، يخاطب الآباء ويطالبهم بألا يقلقوا على أولادهم وبناتهم معهم، أشعر بالقلق.
أثناء سيطرة الإخوان على مقدرات وزارة الأوقاف، خرجوا بأفكار كثيرة درّت على أتباعهم مبالغ كبيرة، ومكنتهم من توظيف المئات من أتباعهم في وظائف دائمة أو على بنود المكافآت، ومن تلك الأفكار مركز الوسطية، الذي اتهم، أخيراً، أحد مسؤوليه، بالاستحواذ على أرض من الهيئة الخيرية الإسلامية والتصرف بها لحسابه، علماً بأن مركز الوسطية كلّف الدولة عشرات الملايين قبل أن تقرر الأوقاف إلغاء فكرته، مع جفاف الضرع.
ثم خرج القائمون على الأوقاف بفكرة تأسيس «شبه كيان مستقل»، أطلقت عليه تسمية «إدارة السراج المنير»، تكون مهمته استقطاب الصبية والفتيات من سن 7 أو 8 وحتى سن 12 أو 13، وتعليمهم وتربيتهم إسلامياً، ولتكون «السراج المنير» مؤسسة تربوية تحتضن الناشئة، فتغرس في نفوسهم مكارم الأخلاق والفضائل الإسلامية، وتعدهم ليكونوا أبناء صالحين بررة بأمتهم ووطنهم ودينهم! ولكن لا أحد، خلال السنوات العشر الأخيرة، تأكد بالفعل من أن هذا ما يحصل في هذا الجهاز المُعفى من التقييم، والغالب أن ما يدرس فيه يتماشى، منطقياً، مع عقيدة الإخوان المسلمين.
ومع تزايد ما كان يتم رصده لهذه الإدارة، أصبح المئات من المنتمين للإخوان يعملون فيها من خلال 30 فرعاً تقريباً، تغطي كامل تراب الوطن. كما أصبحت أنشطته مصدر رزق للكثيرين، ومركز بث دعاية دينية محددة لا تخضع لأي رقابة، ولم يتم يوماً تقييم مدى فائدة وجدوى ما تقدمه الإدارة من أعمال، غير الاستفادة المادية للقائمين عليها، علماً بأن الاعتداد بالحجم الكبير الذي يلتحق ببرامج السراج، إن صح ذلك، فإنه لا يعني شيئاً، لأن الإغراءات المالية والجوائز القيمة التي تقدم لكل المشاركين في دورات وأنشط المركز قد تكون هي الحافز، خصوصاً أنها تصدر بشيكات تصرف للفائزين في الأنشطة، بحسب ما ورد على لسان مسؤول المركز، في مقابلة إذاعية «تشرفت» بمتابعتها.
وما يثير الشك فعلاً حرص معظم القائمين على السراج غير المنير التمسك بكراسيهم، على الرغم من طلب ديوان المحاسبة، وكتاب إدارة الفتوى والتشريع، انتقادهم الواضح، للمرة الثانية، على استمرار أحد المسؤولين في وظيفته، فلمَ هذا التكالب على المنصب مع تكرار التحذير، وما سبب إصرار مسؤولي الوزارة على تجاهل تقريري الديوان ومذكرة الفتوى والتشريع؟
من يراجع مطبوعات السراج المنير يجدها تطلب من أولياء الأمور أن يلحقوا أبناءهم بها، ولا يقلقوا، وأقول لهم إن عليهم أن يقلقوا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top