عودة إلى الصمت المريب!
صحيح أن طرقنا خربة، وغول الفساد يخرب كل مرافقنا، وهناك رشى تُدفع تحت المكاتب، ومشكلة المرور وزحمة الطرق مستمرة، وآلاف المطلوبين من سرَّاق المال العام ومزوري مستندات الجنسية طليقون، ومشكلة «البدون» بلا حل، وقضايا المحاكم في ازدياد وتراكم وتأخير، إلا أن جميع هذا القضايا تتضاءل أمام كل هذا العدد من مزوري الشهادات الدراسية في وزارتي التربية والتعليم العالي، والجامعات والمعاهد التطبيقية، وكل وزارات الدولة الأخرى، سواء مواطنين أو مقيمين، والذين أوصلونا إلى هذا الدرك الأسفل من قلة الأدب، وتخريب المستوى التعليمي والخلقي لدى جيل كامل، وأصبحنا في المركز الـ47 بين 50 دولة في اختبارات «بيرلز» الدولية لقياس مستويات التعليم لعام 2016، وبالتالي لم يكن لافتاً قيام مئات المواطنين بوضع الحياء جانباً، وتشكيل رابطة لحملة شهادات الدكتوراه، المضروبة أو المزورة، بهدف الضغط على الحكومة للاعتراف بشهاداتهم، وتوظيفهم!
لقد توقفت شخصياً، منذ سنوات طويلة، عن مخاطبة أي فرد بلقب دكتور، أو كتابة اسمه مسبوقاً بحرف الدال، ليس من منطلق عدم الاحترام، بل لشكي في جدية شهادات الكثير من هؤلاء، خاصة بعد تبادل الأحاديث معهم، أو قراءة ما يكتبه «أ. د.» منهم! ويقول المثل، الذي ينطبق أيضاً على «صاحبنا»: «عيوب الجسد يسترها متر قماش. أما عيوب الفكر، فيكشفها مجرد نقاش»!.
إن تقاعس الحكومة، ممثلة بوزير التربية، في الاستمرار في ما بدأ به الوزير السابق بدر العيسى من كشف عش دبابير جريمة «الشهادات المزورة» يمكن تفهمه على مضض على ضوء العدد الكبير الذي يمكن أن تنكشف أوضاعهم، وما سيتسبب فيه ذلك من خراب بيوتهم، وفضحهم، وإحالتهم إلى المحاكم لاسترداد ملايين الدنانير التي دفعت لهم، ولكن ماذا عن التخريب الذي أحدثوه ويحدثونه لعقول ومستقبل جيل كامل من شباب هذه الأمة؟!
إن التصريح الرسمي بقرب انتهاء لجنة التحقيق من عملها ليس إلا ذر الرماد في العيون، فهناك ما لا يقل عن 660 شهادة «دكتوراه» مزورة في جهة واحدة. ويقال إن الكشف الذي يتضمن أسماء هؤلاء، بعد إحالة 8 منهم إلى النيابة، أصبح يتعرض للانكماش، بسبب التدخلات، ومن الضروري بالتالي تصدي وزير التربية الجديد الأستاذ حمد العازمي لهذه الجريمة، والسير بكل قوة في كشف ملابساتها. فالضرر كبير والتخريب خطير، وتبعاته مؤلمة، ولكن السكوت عن كشفهم أكثر خطورة بكثير على كامل مستقبل هذا الوطن، وأخلاقياته. ولو كنت مدرساً أو عضواً في جمعية أعضاء التدريس في الجامعة، لشعرت حتماً بأن تهمة التزوير تطول سمعتي الأكاديمية والشخصية، وعليّ تقع مسؤولية تبرئة نفسي. كما على جمعية التدريس أخذ زمام المبادرة ووضع حد لهذه المأساة.
كما على أعضاء مجلس الأمة، والشباب منهم بالذات، إعطاء مسألة الكشف عن ملابسات هذه الجريمة ما تستحق من أهمية، فهي ليست أقل خطورة أبداً من رفع الحظر الرياضي عنا. وهم مطالبون للسعي لإصدار قانون يسمح بمعاقبة هؤلاء المزورين، حتى بعد تحصين وضعهم، بمرور المدة الزمنية. كما يتطلب الأمر معاقبة من تستر عليهم، عمداً. وربما يتطلب الأمر أيضاً تشكيل لجنة محايدة تقوم بمراجعة شهادات المدرسين وحاملي الشهادات العليا الذين يعملون في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من مواطنين ومقيمين.
إن الشهادات الوهمية خطر كبير يهدد المجتمع، وينذر بجيل من المغفلين الذين يبحثون عن الوجاهة فقط، وعلى الجميع تقع مسؤولية كشف هؤلاء.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top