مَن حرق قلوب الأمهات؟
يتّجه العالم برمته، ودول الإقليم من حولنا، لمزيد من التحرر من القيود البالية، والإيمان أكثر بحقوق الإنسان، وبانتهاء عصور التزمّت، وإشاعة الحريات ضمن الأطر القانونية، ومن هذا المنطلق دعا مركز تنوير الثقافي للاستماع لمحاضرة للمثقف المصري الأميركي أحمد سعد زايد، الذي يحمل دبلوما عاليا في الشريعة الإسلامية من المعهد العالي للدراسات العربية والإسلامية بالقاهرة، والذي سبق أن تلقى دورات في الفلسفة الغربية وعلم تطور الأفكار من جامعتي اكسفورد ويال الأميركيتين وغيرهما. وبسبب سوء اختيار منظمي المحاضرة لاسمها، وليس لموضوعها، قامت قيامة تجار الدين وقوى الجهل والظلام، الذين يفزعون دائما من الحوار، لهشاشة تفكيرهم وسذاجة آرائهم، وضعف منطقهم، وطالبوا السلطات المعنية بالتدخل وإلغاء المحاضرة، وتم لهم ذلك فورا. وفي حركة مسرحية استعراضية قام اكثر هؤلاء المعترضين تشدّدا وغلوًّا، بإرسال تغريدة هدد فيها بحرق نفسه في قاعة المحاضرة، إن أقيمت! وقال ذلك طبعا بعد سماعه بقرار الإلغاء!
وفي اليوم التالي، وقبل لقائنا بالمحاضر في جلسة خاصة بساعات، قام رجال أمن بزيارته في غرفته في الفندق، حيث يقيم ضيفا على البلاد، وصادروا هاتفه النقال وأعلموه بأن وجوده غير مرغوب فيه، وعليه الذهاب معهم فورا للمطار. وهذا ما تم بالفعل.
لا شك في أن من طالبوا بإلغاء محاضرة لم يعرفوا شيئا عنها، غير اسمها «الملتبس» هم من المؤمنين بالحديث القائل: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ».
وإن كان الأمر كذلك، وهو كذلك حتما، بنظر هؤلاء على الأقل، لكان حريا بهم بالتالي حضور الندوة ومحاججة المحاضر بما يمتلكون من حجج وإسكاته وفضحه، وبيان ضعف حجته، إن كان هناك أصلا ما يتطلب ذلك، والمطالبة بعدها بطرده، وليس قبل أن يفتح فمه، وهم الذين لم يسمعوا به من قبل ولا يعرفون عنه شيئا أصلا.
في شريط فيديو يعود لذروة أعمال العنف الإرهابية في سوريا، يقف سياسي كويتي، ونائب في البرلمان، وأحد الذين طالبوا بطرد المحاضر زايد ليقول بالحرف:
اليوم هو البداية، فقد انتهينا من تخريج ثلاثة آلاف مقاتل مجهّز مدرب. اليوم في حلب ألف مقاتل، وغدا إن شاء الله تخريج ألف آخرين في إدلب، وفي الفترة المسائية سيكون هناك تخريج ألف ثالثة في منطقة حماة، وهذه كلها تمثل انطلاق حملة الكويت الكبرى في حلب لتجهيز اثني عشر ألف مقاتل بالسلاح والعتاد للقتال في سوريا، وإن شاء الله مستمرون في تجهيز هؤلاء بالكويت وهذا جزء من حملة دعوة العلماء للنفير، واليوم يوم نصرة سوريا بالأفعال لا بالأقوال. انتهى.
هذا كلام نائب هدّد بحرق نفسه في قاعة محاضرة «إن اقيمت»! وهو الذي حرق قلوب مئات الأمهات والآباء، وربما أكثر، بإرسال فلذات أكبادهم ليخوضوا معارك وحروبا عبثية نيابة عنه ودفاعا عن طموحاته السياسية وأفكاره الظلامية، فمَن الذي يستحق الطرد، هو أم ذلك المحاضر المسالم الذي لم ندعه يفتح فمه لنطلب منه إغلاقه وترك الكويت؟
الارشيف

Back to Top