أسباب أبو عبداللطيف
كما سبق أن توقّعت دول العالم المتقدمة، وسخرنا حينها من توقعاتها، ها قد سقطت دولة داعش، وسقط معها وهم الدولة الإسلامية، بعد صراع دام لسنوات ثلاث، في عصر لا يعرف إلا العلم، والتعايش البشري، ولا مكان فيه لمثل هذه النظم السياسية. ومع سقوط «داعش» سقطت كل التحليلات الساذجة لعشرات محللينا السياسيين، واتهاماتهم الفارغة بحق مختلف دول العالم، لكونها وقفت جميعها، أو إحداها، وراء فكرة الدولة وتأسيسها وتمويلها وتسليحها، وهذا ما كنت لا أؤمن به منذ اليوم الأول. فلم يبرز أحد حتى اليوم دليلاً مادياً ملموساً واحداً يدل على تورّط دولة بعينها، بشكل مباشر وواضح، في تأسيس هذه الدويلة، التي سبق أن تكرر ما يماثلها كثيراً عبر التاريخ الإسلامي، ولكن غياب وسائل الإعلام وأدوات وآلات التصوير وقتها منع من توثيقها في حينه!
يتساءل صديقي أبو عبداللطيف عن سبب عدم وجود إرهابيين بين الأندونيسيين والماليزيين ومسلمي الهند، وبقية الشعوب الإسلامية الأخرى؟ ولماذا كان الإرهابيون عندنا فقط، سواء كنا عرباً شيعة أو عرباً سنة؟ وهل لمناهج مدارسنا دور في ذلك؟ ويستطرد قائلا إن العرب عرفوا الإرهاب السياسي على عهد وديع حداد وغيره، وان مناهج التعليم، التي ندعي أنها تخرّج الإرهابيين، تختلف في العراق البعثي العلماني (سابقا) عن المنهج السعودي، الذي يختلف عن المنهج اللبناني العلماني، وجميعها تختلف عن المنهج الكويتي أو التونسي العلماني، أو المصري المحافظ، ومع هذا خرّجت جميعها إرهابيين منذ نصف قرن حتى اليوم. ويضيف ان من الخطأ أن نصبح أسرى أقوال تضع المسؤولية على المناهج الدراسية، فهذا التشخيص الخاطئ سيتسبّب في استمرار المرض، كما حدث منذ 60 عاماً وحتى اليوم، وأن أسباب الإرهاب تختلف عما يروج له البعض!
ولم يتبرّع الصديق بذكر الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء الإرهاب. ولو افترضنا صحة هذا التساؤل بشكل عام، فإن واقع الحال غير ذلك. فهناك عمليات إرهابية شيعية ــــ سنية في باكستان. وهناك توتّر باكستاني هندي سببه الأعمال الإرهابية، وهناك إرهاب أفغاني، وهناك إرهاب فلبيني يقوده أبو سياف، وإرهاب تنظيم الشباب الصومالي، وإرهاب «بوكو حرام» النيجيري، وكلها دول غير عربية، وبالتالي فإن الإرهاب لا جنسية له، لكنه أكثر زخما ونشاطا عندنا مقارنة بغيرنا، ربما لأننا أصحاب حضارات «تضرب» جذورها عميقاً في التاريخ لآلاف السنين! ومن هذا نرى أن الإرهاب في غالبه ذو طابع ديني بحت، من متأسلمين متشددين، فهو لم يترك دولة أو أقلية إسلامية في العالم من دون أن يؤثر فيها سلبا. ويزداد الضرر كلما اقتربنا من منطقتي الشرق الأوسط والأدنى. فالأقليات المسلمة في الصين والفلبين وميانمار وكشمير، جميعها تأثرت بالإرهاب.
كما خرّب الإرهاب الديني كيان دول كأفغانستان وسوريا والصومال واليمن، وضرب الإرهاب السعودية والكويت والبحرين وتونس وليبيا والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان، والأردن وقطر، وفلسطين، وغيرها. والسبب يعود ليس إلى مناهج المدارس فقط، بل إلى ما كان ولا يزال يقال أيضاً في العديد من الجوامع، وما يُبث من خلال مئات القنوات الدينية، الشديدة التطرف، التي تستقطب عشرات ملايين المشاهدين طوال ساعات اليوم. كما كان للمال الخليجي دور في الصرف على التطرّف الديني، وبالتالي فإن الدول المسلمة غير العربية نفذت بجلدها، نسبيا، من تأثير المال الخليجي، كما منعها عدم الإلمام بالعربية من التأثر سلبا بما يبث على القنوات الدينية.
هذه بعض الأسباب، والموضوع طويل.
الارشيف

Back to Top