التلاعب في التاريخ

يعتقد معظم المنتمين للأحزاب الدينية، و«الإخوان المسلمين» بالذات، أن الليبراليين ضعاف الإيمان، وهذا يقلل من قوة وازعهم الأخلاقي، ويدفعهم للكذب!
لن أحاول هنا تغيير هذه النظرة، بل سأفترض أن من ردد مثل هذا الزعم يعتقد أن وازعه الأخلاقي أفضل، وكذبه أقل، ولكن الواقع غير ذلك.
ففي شهادة وردت على لسان المرحوم الشيخ سعود الناصر الصباح، سفير الكويت في واشنطن إبان الاحتلال العراقي، قال إن بعض ممثلي حزب الإخوان المسلمين في الكويت، وأسماؤهم معروفة وموجودة على الإنترنت، اجتمعوا به في واشنطن، وطلبوا منه 50 مليون دولار لإنشاء الهيئة العالمية الإسلامية لمناصرة قضية التحرير. وقال إنه اعتقد أن المبلغ مطلوب لكي تقوم الهيئة بالدعاية لقضية التحرير في مختلف المحافل، ولكن تبين أنهم يريدون المبلغ للتحضير لتكوين جيش إسلامي يقوم بعملية التحرير للكويت، بدلا من القوات الغربية، وبالتالي رفض طلبهم.
وأضاف، في جانب آخر، أن أحد أعضاء الوفد وجد لنفسه مكانا ضمن الوفد الشعبي الذي زار واشنطن بعدها، لكسب تأييد أميركا في عملية التحرير، وكيف أن الوفد اجتمع بمساعد وزير الخارجية كيلي، الذي استغرب من موقف «العضو الإخواني المنفرد، الرافض لتدخل أميركا عسكريا لمناصرة الحق الكويتي، وبالتالي تضمّنت رواية الشيخ سعود اتهاما خطيرا في حق العضو الإخواني، الذي قام تاليا بالدفاع عن موقفه، ولكنه لم يقم، لا هو ولا غيره ممن وردت أسماؤهم ضمن «اتهامات» الشيخ الخطيرة، برفع قضايا رد اعتبار، بل اكتفوا بنكران صحة ما ورد على لسان الشيخ سعود، من دون مقاضاته!
ثم يأتي بعد ذلك من يكتب، ويدعي أنه ثبت بـ«أروقة المحاكم» بطلان رواية الشيخ سعود! وهذا كلام غير صحيح، فلا قضية رفعت، ولا حكم صدر ضد سعود الناصر، ولكن ما يحرّك هؤلاء هو الرغبة في أكل لحمه ميتا، بعد أن عصى عليهم ذلك، وهو حي، وهذه خسة امتاز بها كثير ممن ينتمون إلى تيار الإخوان عن غيره من التيارات.
أما ما ورد في المقال نفسه من أن «حدس» لم تعد تنتمي لــ «الإخوان» تنظيميا، ويدللون على ذلك بتجميد ارتباطهم بالتنظيم الدولي للإخوان، فلنا الحق في التساؤل عن سبب تجميدهم لعضويتهم إن كان موقف التنظيم مشرفا من الغزو، كما يدّعون! وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ أم لأنهم أدركوا مدى غضب الشارع الكويتي من موقف تنظيم الإخوان الدولي المخزي من الغزو، فادّعى «الكاتب»، كعادته، أنهم انفصلوا عن التنظيم؟
ثم إذا كانوا قد انفصلوا عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فلماذا كل هذه الاستماتة في الدفاع عن موقفه المخزي من الغزو؟ ولنفترض أننا سنكذّب أنفسنا ونكذّب معايشتنا للغزو ومتابعتنا المواقف بصغيرها وكبيرها، ولنفترض أننا «نتبلّى» ونفتري على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فما شأنكم أنتم إذا لم تعودوا جزءا منه، كما تدّعون؟ دعوهم يدافعون عن أنفسهم ولا تنصِّبوا أنفسكم محامين عن الإخوان المسلمين وموقفهم الشائن.
ثم لنترك سعود الناصر وشهادته جانبا، ولندع مسألة انفصالكم عن التنظيم كما تدعون، ألم يكتب السيد إسماعيل الشطي، وهو من هو ضمن «الإخوان»، ومن استشهدتم به في مقالكم، سلسلة من المقالات بعد التحرير، وكانت له مراجعات وانتقادات لموقف الإخوان المسلمين المؤيد للغزو وللظلم والعدوان، بحجة محاربة النصارى والأميركان؟
والغريب ملاحظة رفضكم ذكر اسم الشيخ سعود الناصر، في مقالكم، وهو واحد من أشهر سفراء تلك المرحلة، وتولى تاليا حقيبتي الإعلام والنفط، فهل نسيتم اسمه، أم أن حقدكم منعكم من ذلك؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top