ما في البلد غير هالولد؟!

كتبت بتاريخ 20 / 4 / 1999 مقالا بعنوان «عالم تحت الأرض»، ورد فيه التالي:
أصيبت الحركة الدينية السياسية المحلية بصدمة اثر انكشاف حادثة رجل دين. فقد احتوت على كل عناصر الإثارة من ضرب واغتصاب واستغلال لأملاك الدولة، وصراع سياسي بين مختلف التيارات الدينية! وما جعلها اكثر اثارة ما احتوته من اساليب «مخابراتية» مثل التنصت على المحادثات الهاتفية، وانتزاع الاعترافات بالعنف، وتسجيلات شخصية للإيقاع بالطرف الآخر!
لا اعتقد أن هناك جهة واحدة تعرف بالدقة حقيقة ما حدث، ويعود ذلك الى ان احد اطراف الفضيحة رجل دين معروف، ومدرس شريعة، ويؤم الناس في مسجده ويخطب في الآلاف يوم الجمعة. كما يقال إنه صاحب طريقة دينية خاصة، وهو مسنود من قوى سياسية متنفذة، وخصومه أيضا أقوياء، وكل هذه الأمور كفيلة بأن تجعل من الصعوبة معرفة ما حدث بالضبط، ومن الصادق، ومن الكاذب.
إن تناقض التصريحات يجب ان ينتهي بتوضيح الحقيقة التي تعني ان احد طرفي الفضيحة لا يقول الحقيقة، وهذا ما تتخوف الاحزاب الدينية منه، ومن النتائج التي يمكن أن يصل لها التحقيق، والتي لن تكون، سياسيا او دينيا، في مصلحتهم، وهم في أوج معركة جمع ما يمكن جمعه من مال من اجل اهالي كوسوفو!
بينت الأحداث مدى التخبط الذي وقع فيه الكثير من المراجع الحكومية بسبب تلاحق انباء الفضيحة وتسارعها، فقد قام أحد الوكلاء في الاوقاف، وفور سماعه باعترافات رجل الدين، بإصدار تعليمات اوقف بموجبها المذكور عن مهمة الخطابة والإمامة في مسجده. كما طلب من مسؤولي الوزارة التحقيق في وضع كل البيوت والملاحق التي منحت للأئمة والمؤذنين. غير أنه عاد عن قراره بعدها، وقابل المتهم، واعتذر له عما لحق بسمعته جراء قرار إيقافه عن العمل. وأخبره أن وزير الاوقاف سيقوم بمقابلته، وطلب منه الاستمرار في عمله.
في اليوم التالي، تراجعت الاوقاف عن قرارها، وقررت، بلسان وزيرها، سحب البيت الملحق من المتهم «لأنه استعمله لغير الغرض الذي خصص من اجله»، وبأن موضوع ايقافه عن الخطابة جاء نتيجة لتداعيات موضوع السكن وليس بسبب موضوع الاعتداء عليه!
وهكذا يمكن ان نستنتج أن هناك اكثر من مركز قوة يعمل ضمن كواليس وزارة الاوقاف والحكومة ككل، وان كل جهة تعمل لانقاذ الطرف المحسوب عليها، كما تعمل جميع الاطراف، سواء المتورطة في الموضوع او الداعمة لأطرافه، على عرقلة عملية «انكشاف» الحقيقة، فالقضية، بصرف النظر عن نتائجها النهائية، قضية مخجلة وخطيرة، وستكون لها انعكاساتها على مجمل الوضع العام، وهو الامر الذي لا تريد مختلف الجهات المتورطة والمتنفذة تحققه. انتهى.
ليس مهماً ما انتهت إليه القضية في حينه، فالمثل يقول إن الرصاصة التي لا تقتل، تدوش! وقد يكون خرج منها بريئا، وكان حريا بوزارة الأوقاف، التي سبق أن أوقفته عن العمل، التفكير مليا قبل تعيينه، بقرار وزاري، عضوا في إحدى الهيئات، وفي لجانها الفعالة، فهل خلا البلد، وأمامنا عشرات آلاف من خريجي الشريعة، ممن هو أفضل منه لعضوية لجنة الأوقاف؟

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top