المسلم وصراع الهويات

مع زيادة التشدد والتطرف والاستقطاب الديني لدى عموم المسلمين، في أوطانهم أو في المهجر، فإننا أصبحنا نرى أكثر وأكثر مدى تشتت معظمهم ذهنيا في ما يتعلق بولائهم. فهم ينتمون لأوطان محددة، وينهلون من خيراتها، ويدفعون «مجبرين» ما عليهم من ضرائب، ولكنهم مشتتون بين الولاء للوطن، الذي يمثل الدنيا، وبين الولاء للدين، الذي يمثل الآخرة، ولا أعتقد أن هناك مجاميع ضخمة من شعوب الأرض لها نفس هذا التشتت الذهني وعدم القدرة على تحديد الولاء!
فلو افترضنا أن تركيا أعلنت الحرب مثلا على صربيا، لاضطهادها الأقلية المسلمة فيها، وكان بين مواطني صربيا مسلمون، فمع من سيكون ولاؤهم؟ مع الوطن الذي طالما احتضنهم، وأطعمهم وكساهم، عندما كانوا يتضورون جوعا على الحدود، بعد أن رفضت تركيا نفسها أن تأويهم، أم سيكون مع الدولة التي أصبحت الآن واجهة الإسلام ورأس حربة التصدي للدفاع عن حقوق المسلمين في العالم أجمع؟
لا أعتقد أن خيار الأغلبية سوف يكون سهلا! والسبب أن غالبية المسلمين لم يقرروا هل هم يعملون للدنيا، وما تمثله من فناء، أم يعملون للآخرة وما تمثله من بقاء، وهذا لا يكون بالتحالف مع «أعداء الإسلام»، حتى ولو كانوا من الذين سبق أن آووهم وأنقذوا حياتهم وأسرهم من الموت؟
بالمقابل، نرى أن الفرد الأرمني أو العربي المسيحي مثلا يعيش على أرضه، ولديه ارتباط نفسي والتزام واعٍ تجاه وطنه، ويتجلى، هذا الارتباط، في ممارسات مسؤولة تحرص على حماية الوطن واستقراره وتطوره، ولا يورط نفسه في أعمال تخريبية خارجه، ولا ينضم مثلا لحركات دينية لإحياء الحملات الصليبية والقيام بأعمال القتل الجماعي الوحشي ضد اليهود أو المسلمين. وهكذا الأمر بالنسبة للمسيحي أو اليهودي البريطاني والفرنسي والجنوب أفريقي أو اللاتيني،
أما بالنسبة للمسلم، ففي معظم الأحيان يَطغى الانتماء الديني أو المذهبي على الانتماء الوطني، أينما كان. وهذا هو الخطر الأكبر والدمار الأعظم، والسبب لما آلت إليه الأوضاع المعيشية لهذه الدرجة من اللاإنسانية في سوريا والعراق وإيران واليمن ولبنان وميانمار وغيرها، فالتطرف الديني والمذهبي مزّق النسيج الاجتماعي لهذه الدول، وخرّب مشروع الدولة المدنية المتحضرة، وجعل الجميع تحت رحمة فتاوى رجال الدين المتخلفين، في غالبيتهم، علمياً وأخلاقياً وإنسانياً، فالولاء للدين أو المذهب بالأحرى يَصب دائما في مصلحتهم، فهم الذين يمثّلون، للغالبية، شرعَ الله، وما يريده منهم، ويمتلكون معرفة كل شيء. ولكن تاريخ معظم أئمة وشيوخ الدين يبين أن هدف هؤلاء الأساسي هو النفوذ، والاستحواذ المالي والسيطرة الاجتماعية والقيادة السياسية، في غياب أي مشروع لتقدم الأمة ونهضتها. فبقاء الأوضاع على ما هي عليه هو في مصلحتهم. كما أن خطورتهم تكمن في استغلالهم لفهمهم طبيعة النص الديني للتحريض على قتل المسلم وغير المسلم، وهذا ما رأيناه مع الشباب المغاربة في أوروبا، الذين ارتكبوا سلسلة الأعمال الإرهابية الأخيرة في عدة دول أوروبية بتحريض من رجال دين، هذا خلاف الجرعة الدينية الزائدة في المدارس والمساجد والفضائيات الإسلامية، وخلوها من أي حديث يتعلق بحقوق الإنسان والتعايش مع الآخر والتسامح والإيمان بالانتخابات البرلمانية وبالديموقراطية، بل هم غالبا مع الدعوة إلى الجهاد وبناء دولة الخلافة، غير مدركين أن هذا لا يمكن أن يتحقق من دون إلغاء العقل.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top