نحن وبريطانيا العظمى

لم يعرف العالم إمبراطورية بقوة واتساع وطول بقاء كالإمبراطورية البريطانية، التي كانت محصلة عصر الاستكشاف الأوروبي للعالم. فمن اكتشف منهم جزيرة أو قارة أو منطقة متخلفة وضعيفة، أو خالية من السكان، بسط نفوذه عليها بقوة السلاح أو بحيلة أو بأخرى، وكان للاكتشافات البحرية الأسبانية السبق الاستعماري في أواخر القرن الخامس عشر.
في بداية القرن العشرين، بلغ تعداد السكان الذين خضعوا بطريقة أو بأخرى لبريطانيا قرابة الـ460 مليون شخص، على مساحة 33 مليون كيلومتر مربع (بريطانيا 242 ألف كلم فقط)، علماً بأن عدد سكان بريطانيا حينها لم يزد كثيراً عن 30 مليوناً. وعلى الرغم من استقلال كل تلك الدول تقريباً عنها، فإنها لا تزال باقية تحت تأثيرها، لغة وثقافة وقوانين وغير ذلك.
انتصارات بريطانيا على أرمادا الأسبان وهزيمتها لنابليون جعلتها مع عام 1815 أكبر قوة في العالم، مع تطورها الصناعي الهائل، وسيطرة أسطولها على كل البحار، بحيث وصلت حصتها عام 1870 إلى %30 من الناتج العالمي. وكان الأمر يتطلب دولة بحجم بريطانيا لتفرض منع المتاجرة بالبشر، وشهد منتصف القرن التاسع عشر بداية القضاء على الرق، الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين.
وضع بريطانيا المميز بدأ بالانحدار تدريجياً مع القرن التاسع عشر، عندما بدأت قوى أخرى تنافسها صناعياً كألمانيا وفرنسا وأميركا.
وعلى الرغم من خروج بريطانيا منتصرة في الحرب العالمية الأولى، واتساع مستعمراتها، فإن الكلفة الثقيلة للحرب أضعفت من قوتها ومن قدرتها على المحافظة على مستعمراتها، التي بدأت تستقل عنها بدءاً من عام 1923 كأيرلندا وكندا وأستراليا، ومصر والعراق وغيرها! ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت بريطانيا كياناً مرهقاً، على الرغم من خروجها منتصرة، بعد أن تهدمت كبرى مدنها، وفقدت مصانعها وأساطيلها، وتالياً مستعمراتها الكبرى، كالهند.
هذه الإمبراطورية التي لم يكن لغيرها ما كان لها من تأثير لغوي وحضاري وأدبي وقانوني، والتي أعطت البشرية الكثير، وكانت سيدة البحار لعقود طويلة، والقوة الأعظم لقرون، والتي لا تزال بين الدول الأكثر قوة وتأثيراً في العالم، اكتشف المهتمون بالتعليم فيها أن طلبة الصين، التي كانت يوماً إحدى مستعمراتها، تفوقوا على كل طلبة العالم في اختبارات الرياضيات، وأن بريطانيا عليها ترجمة وإعادة طباعة كتب الرياضيات الصينية، كما هي، مع تغييرات طفيفة في العملة مثلاً، من «ريمنبي» الصينية إلى الجنيه الإنكليزي، والبدء بتدريسها في مدارسها، علماً بأن مدارس عدة في الغرب سبق أن قامت باتباع نفس طرق تدريس الرياضيات في مدارس سنغافورة، والمماثلة لمدارس شنغهاي الصينية.
والآن، إن كانت بريطانيا العظمى، بكل إرثها الإنساني وتاريخها وقوتها وعزة نفسها، وثقلها الصناعي واللغوي والتجاري، لم تتردد في الإقرار بفشل نظامها التعليمي، فمن نكون نحن لكي نرفض الأخذ من الغير، أو التعلم منهم، والاستعانة بخبراتهم، ومستشفياتنا مهلهلة، ومخرجات مدارسنا كارثية، وأوضاعنا بشكل عام متردية؟ لماذا لا نتخلص من هذه العقدة ونقر بفشلنا، كما أقرت بريطانيا «العظمى» بفشلها؟
سؤال نوجهه إلى مجلس الوزراء، المهيمن على كل مقدراتنا، لكي نجد لديه جواباً، وقد لا يأتي أبداً!

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top