صراع الأقليات و«الواسب»


يُشار إلى المؤسسة الأميركية بـ«الواسب» wasp وتعني white anglo-saxon protestant أي البروتستانت البيض الأنغلو ساكسون، وهم تاريخيًا الطبقة المميزة في المجتمع الأميركي، التي سيطرت على السياسة والمال والثقافة، والقضاء، مقصين البيض الآخرين، من ألمان وأيرلنديين ويهود وغيرهم.
بقي نفوذ هذه المؤسسة حتى الحرب العالمية الثانية، عندما شهدت نهايتها تحولاً نحو إعطاء أو حصول من هم خارجها على مراكز وحقوق أفضل. وشكلت الستينات، وانتخاب «جون كندي»، الأيرلندي الكاثوليكي، رئيسًا، نقطة تحول هائلة في وضع الواسب، الذي مهد بعد عقود لانتخاب رئيس من أصل أفريقي.
وضع الكويت لا يختلف عن وضع الولايات المتحدة، كدولة ذات تاريخ حديث، تأسست أصلاً على أكتاف المهاجرين، وكان من الطبيعي بالتالي وجود طبقة رأت أنها أحق من غيرها بالحكم، وطبقة مماثلة أو قريبة منها وجدت لنفسها طريقًا للجاه والمال، فتعاون الطرفان على خلق النخبة النجدية التي كانت مماثلة لواسب أميركا، مع الفارق. ومع الوقت، وأيضًا مع ستينات القرن الماضي، وبدء الحياة النيابية، حدثت اختراقات كبيرة وعديدة لهذه النخبة، سياسيًا وماليًا وقبليًا ومذهبيًا، وكانت بداية ظهور وبروز شخصيات من خارج «النخبة» استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة وثراءً، ما دفع الكثيرين من سابق أعضاء النخبة للانزواء بعيدًا، بعد أن تم تقريب غيرهم، وهذا ما حدث في كل مجتمعات العالم، تقريبًا.
وبالتالي ليست هناك مساواة فعلية في أي دولة، فهناك دائمًا طبقية من نوع ما، يجب على البعض الإقرار بها، ومحاولة اختراقها فنيًا أو ماديًا، ثقافيًا أو سياسيًا. والفنان الراحل عبدالحسين، الغريب «اجتماعيًا» عن النخبة، نجح بامتياز، وبالرغم من كل المعوقات، في أن يصنع لنفسه اسمًا وشعبية ومحبة في قلوب الجميع، وهناك بالطبع الآلاف غيره الذين استطاعوا، بالرغم من خلفياتهم الإثنية والمادية المتواضعة، حسب العرف المحلي، أن يحققوا نجاحات باهرة، سياسيًا وماليًا واجتماعيًا، تحظى باحترام الجميع.
ما نود قوله ان من الاستحالة وجود مجتمع مثالي في مساواته، حتى في المجتمعات الشيوعية أو الشديدة التدين. فهناك دائمًا طبقة تجد أنها أعلى وأهم من غيرها. وهناك دائمًا حدود لا يرغب هذا الفريق من غيره تخطيها. ونجد حتى في أعظم الديموقراطيات، كبريطانيا، طبقية واضحة يصعب تجاهلها، وهي مقبولة من الشعب البريطاني، ويتعايش معها، لكنه يحاول جاهدًا تسلق سلمها الاجتماعي، وصولاً لها، فنًا ومالاً وسمعة وإنجازًا.
نعيد القول إن من الصعوبة القضاء – بشكل عام – على الطبقية أو التحيز أو التفرقة في أي مجتمع، فلو أتيحت للمطالبين بالمساواة الفرصة في أن يكونوا الطبقة الأعلى فسيمانعون حتمًا وصول غيرهم لها. وبالتالي على هؤلاء التوقف عن الشكوى من التفرقة، أو محاولة تغيير الواقع قسرًا، فليس هناك ضمان أبدًا، بأنهم سيكونون في وضع أفضل! وعليهم بدلاً من ذلك، العمل الجاد والمخلص وتطوير النفس والاهتمام بالأسرة والتعليم، وهذا سيؤدي حتمًا لتضييق الفوارق بينهم وبين فئات المجتمع الأخرى، وهذا هو الأسلوب الوحيدة المتيسر، والطبيعي.
إنني لا أتكلم هنا من فراغ، وأطالب غيري بقبول ما لا يمكن قبوله، بل أكتب عن تجربة شخصية. فبعد ممارسة ومعايشة قاربت الستين عامًا، لم أشعر يومًا بغبن أو هضم حقيقي لحقوقي كمواطن، أو رفض غير مقبول من هذه الديوانية أو ذلك المجلس، ليس إنكارًا لوجود ذلك الرفض، بل لمعرفتي به وقبولي له كونه أمرًا طبيعيًا، وهذا ما يمارسه الطرف الشاعر بالغبن أصلاً في مجتمعه، برفضه للآخر، ولكن غالبًَا دون أن يدري. فكلنا، بدرجة أو بأخرى، طائفيون وعنصريون، وهذا جزء من تكويننا البشري، ولا يمكن أن يُمحى بغير الثقافة، والبداية تكون بخلق مجتمع علماني يكون فيه السني أقل سنية والشيعي أقل شيعية، عندها ستضيق الفوارق حتمًا.
إن عزوتنا في التمسك بوطننا، فمهما جار «البعض منه» علينا، فسيبقي «أغلبه كراماً».

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top