مثلك لا يضاهى

استغرب الكثيرون مواقف غيرهم الرافضة لفكرة استقدام فنانين عراقيين ككاظم الساهر وغيره، للغناء في دار الأوبرا، بسبب مواقف هؤلاء من الكويت ووقوفهم مع الطاغية صدام، عندما احتل وطننا، وعاث في أعز ما نملك فساداً.
يمكن تفهم موقف الطرفين، ففريق يقول يجب، بعد 27 عاماً، أن ننسى ونتسامى على جروحنا، وآخر يقول إنه لا اعتراض على ذلك، ولكن لماذا نتناسى، والجرح ما زال ينزف، وما زال آباء وأمهات وإخوة وأخوات الشهداء، الذين قتلهم صدام وزبانيته، أحياء وواعين للحدث، فماذا سيكون شعورهم وهم يشاهدون من أيّد عدوهم وقتل أبناءهم وشردهم في العالم، وهو يتراقص على جراحهم، على المسرح.
لكل طرف أسبابه، ولست هنا في معرض تأييد وجهة نظر على أخرى، ولكن سأحاول تحديد موقف ما بالكلمات التالية:
ليس هناك في الحياة أمر أكثر أهمية من انتماء الإنسان لوطن يحميه ويحفظ كرامته، ويعالجه إن مرض ويسعد حياته، ويوفر له فرص العمل وتكوين أسرة، وأن ينتج ويثمر ويبدع، وأخيراً يدفن في أرضه، بعد عمر يطول أو يقصر.
الصحة لا نعرف قيمتها إلا بعد فقدها، وكذلك الوطن لا نعرف ما يعنيه أو أهميته إلا بعد فقده، وهذا ما حدث معنا يوم فقدنا الوطن، ففقدنا بعدها الكرامة والأمن والاطمئنان، دع عنك المال، والخسائر المادية والنفسية، وليس مثل عشرات ملايين اللاجئين المنتشرين في مئات المخيمات حول العالم من يعرف ما يعنيه فقد الوطن، ذلك الإحساس الرهيب بعدم الوجود، والانفصام عن جسد عزيز كبير كان يضم الجميع بأمان، فيصبح المرء خلال ساعات كالمعلّق في غرفة مفرغة من الهواء يملأه إحساس بأنه غير موجود، وخائف في الوقت نفسه على نفسه وعلى فلذات كبده وأعزته وأهله!
كتبت الزميلة إقبال الأحمد مقالاً طالبت فيه كل من يحب بلداً آخر أكثر من بلادنا، ومن ينتمي هواه إلى مكان غير بلادنا، ومن يفضّل العيش ويتغنى بجمال الحياة في مكان غير بلادنا، بأن عليه الخروج من بلادنا.
وقد رد البعض عليها بالقول إنهم بالفعل لا ينتمون لهذا البلد، ولا يفضلون العيش فيه، لسبب أو لآخر، ولكنهم، كما أخبروني في رسائلهم، عاجزون عن فعل شيء، فلا مال لديهم، ولا وطن آخر بمتناولهم، ولا ضمان بأنهم سينجحون أو يكونون أكثر سعادة خارج الكويت وفي ما اختاروه وطناً.
وكان ردي عليهم بسيطاً، وهو أنني وحفنة من رجال الأعمال سنقوم بتأسيس صندوق لمساعدتهم، وكل من يريد ترك الكويت عليه الإسراع بالرحيل عنها، من خلال دفع ثمن تذكرة الطائرة، وجهة واحدة، لأي مكان يرغبون بالذهاب إليه، مع دفع مبلغ لا بأس به لمساعدتهم في ترتيب حياتهم، وإلى أن يجدوا عملاً، شريطة حصولهم على موافقة تلك الدولة وتنازلهم عن جنسيتهم الكويتية!
هنا، تغيرت لهجتهم وأصبح التردد سمتهم، وخلق الأعذار ديدنهم، فذكاؤهم أخبرهم أن ليس مثل الكويت وطناً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top