في اليابان.. لا.. خلاص!

أجريت بضعة حسابات بسيطة فتبين لي أنني قضيت في مدرسة الصباح، التي كانت تقع في شارع أحمد الجابر، وقريبا من مخفر «شرق» الحالي، حوالي 5 سنوات.. كانت في غالبيتها.. عجافا. انتقلت بعدها لمدرسة الصديق المتوسطة، التي كانت وزارة الداخلية تشغلها حتى وقت قريب، وقضيت فيها خمس سنوات أكثر قسوة و«عجافا».. وشقاوة غير مسبوقة، وبعد ان انهيت دراستي فيها بنجاح غير منقطع النظير، حملت ملف علاماتي الدراسية المتدنية، وذهبت به لثانوية الشويخ، وكان ناظرها في بداية ستينات القرن الماضي، المرحوم سليمان المطوع، فنظر لمحتويات الملف مليا، وقلب اوراقه، وأنا واقف كالطود أمامه، وأغلقه وأعاده لي قائلا: يا ابني شوف لك مدرسة ثانية، الشويخ ما تنفعك! وأعتقد أن أدبه منعه من أن يقول لي: شوف لك مدرسة ثانية، أنت ما تنفع الشويخ! وكان ذلك الرفض «اللبق» نقطة تحول كبيرة في حياتي، حيث اتجهت بعدها للمدرسة التجارية.
لاختلافي تاليا مع والدي، تركت «التجارية» بعد ان انهيت الصف الثالث، والتحقت بالعمل في بنك الخليج، على أمل إنهاء تعليمي الثانوي والجامعي مساء.
تذكرت تلك السنوات، بحلوها، وما أقلها، وبمرها، وما أكثرها، وانا أقرأ شيئا عن مدارس اليابان، التي تدين بنهضتها العجيبة لنظام تعليمها، خاصة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي تصادفت مع سنوات طفولتي الأولى.
في مدرسة الصباح كان من الاستحالة يوما ألا يغيب عن الفصل ما لا يقل عن خمسة طلاب. وفي اليابان، وفي السنوات نفسها تقريبا، كانت نسبة الحضور غالبا بحدود %100.
في اليابان يخلع الطلبة أحذيتهم قبل دخول الفصل، للحفاظ على نظافته، ومنع انتشار البكتيريا، وفي الصديق كنا نخلعها أيضا، ولكن لنلعب بها او لنستخدمها في ضرب بعضنا لبعض.
في اليابان، وفي الخمسينات والستينات، كان الطلبة يتناولون أغذية صحية متوازنة ساهمت تاليا في تقدم صحتهم، وزيادة اطوالهم، على مدى اربعة عقود، وفي الكويت ساهمت شوربة العدس، يوميا، المحضرة في المطبخ المركزي في زيادة انتفاخ بطوننا.
في اليابان يشارك الطلبة اساتذتهم في تنظيف مرافق المدرسة، وفي مدارسنا كنا نزيد من عبء عمال النظافة بزيادة وساخة حمامات مدارسنا، وفصول وممرات المدرسة من منطلق «اللعانة»، ليس إلا.
في اليابان يكرسون سنوات الدراسة الأربع الأولى في بناء شخصية الطفل التلميذ وتعليمه حسن التصرف واللياقة واحترام الكبير، وفي الكويت كانت تلك السنوات هي التي كنا نتعلم فيها كيف نكون اشقياء وغير مهذبين.
لا يعرف طلبة اليابان الغش، لأن تعليمهم قائم على الأخلاق، وفي الكويت كنا نجبر على الصلاة، وكنا نغش فيها، بالضحك واللعب ونحن سجود، فتربينا على الغش ولم نستنكره تاليا في الامتحانات.
في اليابان.. لا، خلاص.. تكفي هذه المقارنات!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top