المعرفة والمتعة في أفلام حبيب حسين

في العرض الأول لفيلم «زري» للمخرج الكويتي المبدع حبيب حسين، ذكر، في وفاء جميل، في كلمته عن الفيلم، أنه لولا إيمان الأستاذ والصديق محمد السنعوسي بقدراته، وموافقته، كمسؤول، على ابتعاثه لأميركا لدراسة الإخراج السينمائي، لكان الآن مجرد موظف بسيط، وغير سعيد.
تلقيت دعوة لحضور العرض الأول للفيلم، حيث وصلت، كالعادة مبكراً، فوجدت الصالة خالية، فأحزنني الأمر، ولكن ما هي إلا دقائق حتى امتلأت كراسي مسرح المكتبة الوطنية بحضور غير مسبوق، دل على مدى تعطشنا إلى رؤية الأعمال الجميلة والفنون الراقية التي حرمتنا قوى التخلف الإخوانية منها لزمن طال. كما بيّن الحضور الكثيف والجميل كم التقدير الذي يكنه الكثيرون لأصحاب المواهب في دولتنا الصغيرة، وما أكثرهم، والذين هم بأمس الحاجة إلى التقدير المعنوي والاعتراف بمواهبهم، فهم أفضل رسل للثقافة الكويتية، بدلاً من المعتوهين الذين نثرناهم في العالم، فأصابوا بشرورهم الجميع.
قد لا يكون فيلم «زري» أفضل أفلام المخرج حسين حبيب القصيرة، ولكنه حتماً الأروع من الناحية التقنية، وبموضوعه الذي يتعلّق بمسيرة فنان تشكيلي كان يجلس بقربي بتواضع جم، من دون أن أعرفه أو أعرف قيمته، وعندما بدأ الفيلم، أعدت النظر في وجه من كان يجلس بجانبي، وعرفت مدى جهلي، فاعتذرت منه.
«زري» هي الكلمة المحلية التي تطلق على الخيوط والرقائق المعدنية المذهبة التي تستورد من الهند، والتي تخاط على الملابس النسائية الفضفاضة، بحيث تعطيها رونقاً وغنى، وتعتبر نوعاً من «الأرتيزانا» الكويتية التي اختفت تقريباً الآن مع تبدل الأذواق ورحيل من كانوا يتقنون تلك الصنعة، خصوصاً من النساء. ووضع الزري على قطع القماش، بعد حياكتها كدراعات نسائية، كان عمل أو هواية والدة الفنان العالمي «محمود أشكناني»، عندما لم يكن يتجاوز العاشرة بكثير، وكانت هوايته في رسم الأشكال الفنية على الثوب لتخيط عليه والدته الزري، البوابة التي دلف منها محمود لعالم الفن الواسع، وشغفه تالياً بالرسم التشكيلي، وهذا ما حاول المخرج التركيز عليه في فيلمه الوثائقي الرائع، الذي بيّن مسيرة الفنان الطويلة مع الرسم التشكيلي، ومحنته مع المرض الخطير الذي أصابه وكاد يقعده تماماً، وكيف أن عشقه لفنه ساعده حتماً على التغلب على المرض والعودة لإبداعاته.
الكويت بحاجة إلى هذه النوعية من الأفلام، ليس فقط لدورها في التوثيق التاريخي للكثير من الشخصيات والأحداث، بل لما تمثله من متعة بصرية وسمعية جميلة.
نتمنى أن يكون لوزارة الإعلام، من خلال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دور أكبر في الترويج لهذا الفيلم، وفي إنتاج الكثير ما يماثله، فالشخصيات موجودة والمواهب موجودة، ولا يتطلب الأمر غير الضوء الأخضر.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top