الأميركي الرائع

تحرّك القطار ببطء بركابه داخل مدينة بورتلاند أوريغون الأميركية، الشهيرة بتعدد اثنياتها العرقية، تحرك ببطء، قبل ان يتوقف في المحطة التالية، وتستقله فتاتان، يبدو واضحا من مظهرهما، وحجاب إحداهما، أنهما مسلمتان. وفجأة بدأت تصدر عن أحد الركاب شتائم عنصرية ودينية مقذعة بحق الفتاتين وبحق الإسلام والمسلمين.
توتّر الجو بشدة داخل عربة القطار، وبدا واضحا أن الرجل سوف يتمادى في تصرفه العنصري، ولن يكتفي طويلا بإصدار الشتائم، وسيتعرض حتما للفتاتين بسوء، خاصة بعد أن لاذ جميع ركاب القطار بالصمت؛ إما خوفا، وإما حيرة، في ما يجب القيام به، أمام ضحيتين بريئتين، ترتجفان خوفا، وعنصري كريه لا يعرف احد ما سيقدم عليه. وهنا تقدم شاب أميركي في بداية العشرينات من عمره، فارع الطول كثيف الشعر، وحاول تهدئه مواطنه الأميركي، المعتدي، وتوفير بعض الحماية للفتاتين، ولكن الرجل خاف منه، وأخرج مطواة من جيبه، وهجم على الشاب العشريني، وطعنه عدة طعنات، خر على إثرها صريعا، غارقا في دمائه.
أثار الاعتداء غضب مواطن أميركي آخر، وهو جندي سابق، فتقدم للقاتل يريد إيقافه، فتلقى هو ايضا طعنات أنهت حياته، وتقدّم شاب ثالث، فأصيب بطعنات غير قاتلة.
الأول هو الشاب نامكاي ميش، الذي لم يمر وقت طويل على تخرجه في كلية ريد، في بورتلاند، ولاية أوريجون، والبالغ من العمر 23 عاما. أما القتيل الثاني فكان الجندي السابق في الجيش الأميركي، ريكي جون بست، ricky john best البالغ من العمر 53 عاما. أما الأميركي الشهم الثالث فكان ميكاه فلتشر micah fletcher البالغ من العمر 21 عاما.
من يعرفون نامكاي ميش يقولون إنهم لم يفاجأوا بموقفه، وقيامه بالدفاع عن شابتين مسلمتين تعرضتا لسيل من الشتائم من عنصري أميركي، فقام بعمل بطولي، ولكن ذلك حوله إلى شهيد، كما صرحت والدته. وقالت خالته إنها كانت تتحدث معه قبل لحظات من تلقيه الطعنات القاتلة، وإنها سمعت بوضوح اللعنات والشتائم التي كانت تصدر عن العنصري القاتل، وإنها طلبت منه قطع المكالمة معها، ومحاولة تسجيل ما يجري في القطار من اعتداء على كاميرا هاتفه، لتقديم الدليل للشرطة، وقالت إنها لم تطلب منه ان يكون بطلا، ويحاول حماية الفتاتين المسلمتين.
بعد الحادثة مباشرة غرقت وسائل التواصل الاجتماعي في أميركا، وبورتلاند بالذات، في سيل من رسائل التعزية. وتداعى أهالي المنطقة للقيام بوقفة احتجاجية، على ضوء الشموع، ضد العنف، والتطرّف. وكان لافتا للانتباه قيام منظمي تظاهرة الاحتجاج على تغيير موعدها، لكي يتمكن مسلمو المدينة من حضورها، والمشاركة في إظهار حزنهم، قبل موعد الإفطار.
حدث كل ذلك في أميركا، ولست معنيا هنا بتصرفات حكومتها، وفقد رجلين رائعين حياتهما، وأصيب ثالث من أجل الدفاع عن حق فتاتين مسلمتين في العيش، وانشغلنا نحن بخلاف شرس بين رجال دين وغيرهم عن مدى جواز طلب الرحمة للقتيلين.. أم لا!
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top