لا يا سمو الرئيس

في اللقاء التلفزيوني الأخير، والوحيد، لسمو رئيس الوزراء، ذكر أن استطلاعات الرأي بيّنت أن القضية الإسكانية هي الأولوية عند المواطن. وبالتالي، لدى النواب، ولكنه يعتقد بأن الأولوية يجب أن تعطى للأمن. فعندما يسود، تتحرك عجلة الاقتصاد وبقية كل الأمور!
كلام جميل، ولكنه غير دقيق بالمطلق. فعلى الرغم من أهمية الأمن، والذي لا يمكن لأي شعب أن يعيش وينجز شيئاً بغير سيادته، فإنه قد يكون أمناً هشاً وكاذباً! ففي ذروة سطوة نظام الاتحاد السوفيتي، الذي كان الأمن يمثل هاجسه الأول، فإن الدولة، بكل أجهزتها الأمنية السرية والعلنية، تعرضت إلى انهيار سريع، نتيجة تآكلها من الداخل!
وعليه، فإن الاهتمام بالتربية الصحيحة والأخلاق، يا سمو الرئيس، يجب أن تكون له الأولوية. فنظام صدام الحقير كان نظاماً أمنياً يصعب جداً حدوث ما يعكر صفوه، ولكنه كان نظاماً لا أخلاقياً، فسهل سقوطه.
فضعف إنتاجية الموظف الكويتي الحكومي، وكل هذا التسيب الذي تشكو أنت منه قبلنا، وحالات اختراق الأجهزة الأمنية، وهروب المطلوبين من البلاد، ومئات المخالفات الأخرى، لا يعود سببها إلى غياب الأمن، بل بسبب ضعف الوازع الخلقي.
فالقضاء، يا سمو الرئيس، على دولة لا يتطلب ضربها بالصواريخ أو إلقاء قنبلة ذرية عليها، فقد ضربت أميركا اليابان باثنتين منها، ولم يزدها ذلك إلا قوة، بل يتطلب الأمر أقل من ذلك بكثير. فلكي نقضي على أمة ما علينا غير السماح بتدني التعليم فيها، وغض الطرف عن الغش في امتحانات طلبتها، وبعدها يصبح من السهل أن يموت المرضى على يد أطباء فاشلين، وتنهار المباني على أيدي مهندسين مرتشين، وتتأخر معاملات البشر وتضيع حقوقهم، وتتزعزع ثقتهم بالنظام وأجهزته بسبب السكوت على المظالم، والتغطية على حملة «الشهادات المزورة»، ويحدث كل ذلك والأمن مستتب!
ويُقال، ولا تهم هنا صحة الرواية، إنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، كرّمت المخابرات الأميركية عميلاً روسياً، كان يشغل منصب وزير الخدمة المدنية في موسكو.
وعند عودته إلى وطنه، بعد انهيار النظام القديم، قال له ضابط المخابرات الروسية السابق الذي كان مسؤولاً عن مراقبته، إنه لم يجد عليه يوماً أي مخالفة أو تورط أو علاقة بالمخابرات الأميركية، ولا حتى لقاء أو رسالة بسفارة تلك الدولة، فما الذي كان يقوم به بحيث استحق أن تكرمه أميركا؟ فكان رد العميل بسيطاً وصادماً، حيث قال: لا شيء، كنت أقوم فقط بتعيين كل خريج في غير تخصصه وفي غير مجاله، وأشجِّع على ترقية الأغبياء وتلميعهم بطريقة ممنهجة. كما كنت في الوقت نفسه أمنع أو أحول دون تولي أصحاب الكفاءات لأي وظيفة ذات أهمية، عن طريق اختلاق مختلف الأعذار لرفض تعيينهم، واستمررت في ذلك إلى أن بقي الفاسدون والمغفّلون والعجائز في تلك المناصب، فأصيبت الدولة بالإفلاس الأخلاقي، فتهاوت!
فهل وصلت الرسالة؟!.. كما يقول الزميل قيس الأسطى.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top