الذكرى المئة

لم أكن قد تجاوزت العاشرة بكثير، عندما سمعت من مدرسنا الفلسطيني، بوعد «بلفور»، وكان ذلك في منتصف الخمسينات في مدرسة الصباح الابتدائية. وقريبا ستحل الذكرى المئوية للوعد الذي قطعته بريطانيا لأسرة روثشايلد، والذي تضمن إعلان تعاطف حكومة صاحب الجلالة مع التطلعات الصهيونية بوطن قومي لليهود في فلسطين. وهكذا بدأت محنتنا مع الوعد، أو البيان، أو «إعلان بلفور»، حسب ترجمة الصديق غانم النجار لـــ declaration في 2 نوفمبر 1917، ومنذ يومها لم نفعل شيئا غير تذكر أو «الاحتفاء» بالمناسبة، مع خفوت حماستنا سنة بعد أخرى، والاكتفاء بإيجاد ترجمة جديدة!
* * *
في مقابلة شهيرة أجراها سفير إسرائيل السابق في لندن، لقناة إسرائيلية، مع اللورد جاكوب روثشايلد jacob rothschild، وردت حقائق تعرف لأول مرة عن الظروف التي صاحبت صدور بيان بلفور، وتأسيس إسرائيل تاليا. يقول اللورد جاكوب، رئيس العائلة الحالي والداعم الأكبر للحركة الصهيونية: إن ابنة عمه دوروثي لعبت دورا كبيرا في صدور البيان، على الرغم من أنها كانت في سني مراهقتها في حينه. فقد كانت هي التي قامت بمهمة تعريف الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن بمؤسسة الحكم البريطانية، وساعدته في الاندماج معها، وهو ما أجاده بسرعة.
وقال إن الطريقة التي تم بها الحصول على الإعلان كانت غير عادية، وبها نوع من «الانتهازية»! حيث نجح وايزمن في الالتقاء باللورد بلفور ورئيس الحكومة، لويد جورج، وأقنعهما بأن الفرصة يجب أن تتاح لإنشاء وطن قومي لليهود. وقال إن ما قام به وايزمن كان أمرا غير عادي على الإطلاق، وأن أسرته كانت منقسمة حيال فكرة تأسيس وطن قومي لليهود. وقال إن الإعلان مر بخمس مراحل قبل اعتماد مسودته الأخيرة. وإن المسودة تنقلت بين أميركا وبريطانيا عدة مرات قبل الاتفاق على نصها النهائي، وإن من وضع صيغتها هو الصهيوني ليوبولد أمري. وإن الإعلان صدر باسم اللورد البريطاني روثشايلد، وليس لأي من زعماء اليهود، الأكثر أهمية منه ربما، وذلك لدور أسرته السياسي والمالي الخطير.
وقد بيّنت الباحثة أليسون وير alison weir في كتابها against our better judgment تفاصيل كثيرة عن التاريخ السري للكيفية التي تم فيها استخدام الولايات المتحدة الأميركية لتأسيس إسرائيل. كما ورد في الكتاب أن الحافز الأكبر للسياسيين البريطانيين لإصدار بيان أو إعلان بلفور كمن في تعهد زعماء اليهود في أميركا لهم بإدخالها أو توريطها في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا، إنْ سمحت الأخيرة للصهيونية باحتلال فلسطين، وتأسيس إسرائيل.
مئة سنة مرت على الإعلان أو الوعد والبيان ولم نفعل شيئا غير إلقاء الخطب ووضع الأيادي على الخدود، والتحسُّر على ما ضاع، وكل عقد يلي غيره نتحسر أقل على ما ضاع أكثر، من دون أن نستطيع فعل شيء، غير الدعاء بالموت على أميركا والصهيونية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top