شبكشي الهند وباكستان

كتبت قبل سنوات عن حادثة محرجة جداً، تعرضت لها في منزل صديق، عندما التقيت هناك بسفير الهند، فسألني عن طبيعة نشاطي، فقلت له انني قبل ان أجيبه عن سؤاله، أود أن أعرف منه السبب في كل هذا الفارق الصناعي والبشري والحضاري والعسكري، بين الهند وباكستان، بالرغم من ان الشعبين كانا شعبا واحدا، وكيف أصبحت باكستان عنوان التخلف والفساد الإداري والعنف، ولها دور في الإرهاب العالمي، بعكس الهند. وأتذكر أنني استخدمت وقتها كل ما لدي من اوصاف سيئة في ذلك الحديث، وفجأة اعلن المضيف عن تشريف سفير الهند للحفل، فنظرت لمن ظننت أنه سفير الهند فقال، دون ان تتحرك عضلة واحدة في وجهه، بأنه السفير الباكستاني!
تذكرت تلك الحادثة المحرجة، وأنا اقرأ مقال الزميل حسين شبكشي، في الشرق الأوسط، الذي اجرى فيه مقارنة بين وضعي الهند وباكستان، وكيف ان الهند تمثل النجاح المدني بمفهومه العصري المتمثل بحكم ديموقراطي علماني، وسط ضجيج مهول من الأديان والطوائف والثقافات والمعتقدات واللغات، مكن من التركيز على العلم والتعليم ودعم المنظومة الثقافية للتعايش الاجتماعي والسلم الأهلي بحيث تحولت الهند الى قصة نجاح متعددة الأوجه نالت اعجاب العالم.
أما باكستان، التي اصرت على الانفصال المبكر عن الهند، فقد نظرت الى الأمر على أنه فرصة لحماية المسلمين من بطش الأغلبية الهندوسية، ولكن واقع الحال اليوم يقول ان وضع مسلمي الهند افضل سياسيا واقتصاديا وامنيا، وحتى نفسيا، بمراحل صادمة من وضع اخوتهم في باكستان.
ويقول شبكشي ان الفرق بين الدولتين أن الهند عملت بكل جهد وإخلاص على صناعة الحاضر والمستقبل، ولكن باكستان انشغلت بالانغماس في الماضي وكوارثه. وانشغلت الهند بإعمار الأرض والرقي بالشعب، بحيث تحولت الى قصة نجاح بما وفرته لشعبها من اكتفاء ذاتي لكل احتياجاتهم، ولكن هذا لم يحصل لباكستان (التي تستورد تقريبا كل احتياجاتها من الخارج)، التي انشغلت بصراعاتها القبلية والعرقية، فتفرق المجتمع وتكرس التشدد الديني، حتى تحولت الدولة الى مأوى للإرهاب العالمي وللجماعات المتشددة.
ما لم يتطرق له الزميل أن الهند اهتمت بالدنيا، بينما انشغلت باكستان، أو تركزت اهتماماتها بالآخرة.
كما لم يذكر حقيقة واضحة، وهي أن غالبية دول الغرب، وأميركا بالذات، تتنافس على الفوز باصحاب العقليات من الهنود، في الوقت الذي تبذل فيه أكبر الجهد للتخلص مما لديها من باكستانيين!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top