محطات الوقود وفيلكا (1 – 2)

دخلت قبل ايام بسيارتي الى محطة تعبئة وقود، وشعرت وكأنني لست في الكويت. فالمحطة نظيفة ومضاءة بطريقة جيدة وتحتوي على مرافق صحية نظيفة، وفيها سوبر ماركت، وبضع مطاعم صغيرة للوجبات السريعة، مع لمسة ترحيب واضحة من العاملين فيها، وابتسامات لم نكن نجدها، وما زلنا نفتقدها في محطات التعبئة التابعة لشركة البترول الوطنية، المملوكة للحكومة، بمحطاتها المتهالكة، التي تفتقر الى كل الخدمات الضرورية التي قد يحتاجها من يمر فيها! والمؤسف أننا انتظرنا أربعين عاما تقريبا قبل ان يتحقق «الحلم» ويتحسن مستوى هذه المحطات، ببيعها الى القطاع الخاص، بعد أن تواضعت أحلامنا ليصبح تطوير محطة تعبئة وقود أحدها!
***
تلقيت قبل ايام دعوة جميلة من المخرج المسرحي العالمي سليمان البسام لأكون في ضيافته في جزيرة فيلكا. قبلت الدعوة فورا، وبسرور بعد أن وجدتها فرصة لاستعادة قديم ذكرياتي عن هذه الجزيرة التي كانت آخر زياراتي لها قبل نصف قرن، ممنيا النفس بقضاء وقت علمي وثقافي وترفيهي رائع بصحبة شخصية عالمية مثقفة وضيفتيه الأكاديميتين الغربيتين، وصديقين رائعين من الكويت.
شعرت بغصة قبل أن تطأ قدماي أرض الجزيرة، فقد كانت أطلالها وخرائبها أول ما وقعت عليه عيناي قبل رسو «التاكسي» البحري الذي اقلنا الى الجزيرة على ميناء مؤقت، حيث لا يوجد في الجزيرة، بعد 300 سنة من تبعيتها للكويت، ما يمكن أن يوصف بميناء!
استقللنا مركباتنا، واقترح مضيفنا الكريم أخذنا في جولة بالسيارة لرؤية معالم الجزيرة. أخبرنا، خلال تجولنا، أنها تقع على بعد 20 كيلومترا من الساحل، ويبلغ أقصى طول فيها نحو 12كلم، وأقصى عرض 6 كلم، بمساحة إجمالية تقدر بـ 43 كلم2، وأعلى ارتفاع فيها هو 10 أمتار، ويزيد طول شريطها الساحلي، غير المستغل بتاتا، على 38 كلم.
بينت الآثار، التي اطلعنا على بعضها، أن فيلكا كانت محطة تجارية مهمة على الطريق البحري بين حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات المنتشرة على ساحل الخليج، ربما بسبب موقعها وتوفر المياه العذبة فيها. كما كانت يوما مركزا دينيا قديما، قبل أن يدفع التعصب البعض لإرسال جرافاتهم وإزالة معالمها الأثرية «الدينية». ويقال ان الجزيرة كانت مركزا حضريا في العصر الدلموني، قبل حوالي 3000 سنة، قبل الميلاد. ويعتقد ان اسمها مشتق من الكلمة اليونانية الاغريقية، فيلاكيون، او نقطة التمركز. ويقال أيضا ان حفريات البعثة الدنماركيّه للتنقيب عن الآثار في الجزيرة عام 1958 بينت أن اسم الجزيرة هو «إيكاروس»، والذي تم الاستدلال عليه من خلال حجر أثري عثر عليه، وهو عبارة عن رسالة الى مسؤولي المعبد في الجزيرة. واستدل أيضاً من خلال كتابات بعض المؤرّخين اليونانيّين أن الإسكندر هو الذي أمر بتسميتها إيكاروس، أسوة بجزيرة في بحر إيجة تحمل الاسم نفسه تقريبا.
جولة الحزن بين معالم الجزيرة انتهت بابتسامة وأنا ارى «المحترف المسرحي» الذي أقامه سليمان البسام على الجزيرة، ضمن مشروعه لتأسيس مركز فيلكا للفن والمعرفة «فِكَرْ»، والذي يهدف الى إعادة الروح للجزيرة، مستحضراً تاريخها الحضاري كنقطة تواصل بين حضارات مختلفة.
وخلال تلك الساعات، التي قضيناها معا، لمست مدى معاناته مع خدمات الجزيرة..!
وإلى مقال الغد
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top