الوضع الكويتي والصبي الأعرابي

لم يتوقف الكويتيون في العقود الثلاثة الأخيرة عن مقارنة أوضاع وطنهم بأوضاع دبي بالذات، وفي فترة لاحقة بقطر وغيرها. وورد في تحقيق صحافي نشرته «الإيكونوميست»، البريطانية الرصينة، في 3 ديسمبر، أن هذه المقارنات والانتقاد المستمر للأوضاع خلقت لدى الكويتيين عقدة نقص يصعب الفكاك منها، على الرغم من تمتعهم بأعلى دخل للفرد في المنطقة، وبرابع أعلى دخل على مستوى العالم، إلا أن حكومتهم كثيرا ما افتقدت الديناميكية التي تتمتع بها شقيقاتها الخليجيات. كما أن مناخ العمل فيها غير جاذب للاستثمارات العالمية، حتى أكثر دول المنطقة تحفظاً، أصبحت أكثر جذباً منها للاستثمارات، وأسهل إنجازاً للمشاريع والأعمال، وأكثر إغراء للشركات الأجنبية.

وعلى الرغم من أن الكويتيين يبدون سعيدين بنظامهم السياسي، الأقرب الى الديموقراطية، مقارنة بأنظمة المنطقة السياسية الأخرى، لكنه تحدث فيها حالات الحد من حرية التعبير، والتحكم في غالبية التعيينات الحيوية في الوزارة والأجهزة الأخرى.

ويمكن القول ان برلمان الدولة، المكون من 50 عضوا منتخبا من الشعب ويضم سيدة واحدة، سيكون له صوت في مجريات الأحداث القادمة، ولكن هناك من يعارض، علناً أو سراً، أو حتى يعادي النظام الديموقراطي، ويرى أنه السبب الرئيسي وراء إعاقة التنمية، والتخلف عن بقية الشقيقات الخليجيات. كما يرون ان المجلس النيابي كان له دور في عرقلة إقرار الكثير من المشاريع الحيوية الكبيرة، كنفط الشمال ومشروع الداو. كما كانت آلية وشبه عشوائية استجواب الوزراء، خصوصا الأقوياء ونظيفي اليد والسيرة منهم، عاملاً مؤثراً في عزوف الكثيرين عن قبول المنصب الوزاري، من منطلق احترامهم لأنفسهم.

واضح من كلام الإيكونوميست، وغيرها من المصادر الخارجية، أن هناك فئة متنفذة تميل الى وضع المسؤولية على تأخر الدولة، وتردي مكانتنا في التنمية والتعليم، على نظامنا الديموقراطي. ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فقد تمتعت الحكومات لفترات، وبالذات في السنوات الثلاث الأخيرة، بأجواء نيابية مسالمة، وكانت تتصرف وكأن ليس أمامها مجلس نيابي يحاسبها ويراقب أعمالها، ومع هذا كانت ثلاث سنوات عجاف، ممتلئة بقلة الإنجاز وتكرار الفشل!

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنني أعتقد أنه لو خُير الكويتيون، ولا أتكلم هنا عن مزدوجي الجنسية، وما أكثرهم، بين استمرار عيشهم في هذا الوطن، بكل مثالب منظومته، وتعاسة وضعه، وخراب مطاره، وضعف بعض وزرائه، وسوء مروره، وتدني خدماته، بالعيش في أي دولة خليجية أخرى، لاختاروا حتماً الكويت وطنا، من دون تردد!

وضعنا مع المطالبين بوقف الديموقراطية يشبه وضع ذلك الصبي الأعرابي الذكي، الذي عرضوا عليه ألف دينار مقابل أخذ عقله، فرفض العرض المغري، قائلا انه خائف من أن تتسبب قلة عقله بخسارة ألف ديناره، فيبقى بلا عقل ولا ألف دينار! وبالتالي نحن راضون بوضعنا، وبشبه ديموقراطيتنا، وبعجز حكومتنا، ولا نريد ان نخسر حرياتنا، لكي لا نبقى بلا تنمية ولا تقدم ولا ديموقراطية ولا حرية.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top