الكرم والتطوع

كتب الكاتب والسياسي السعودي المرحوم غازي القصيبي مرة التالي: إن الكرم كلمة اخترعها العرب كضمان اجتماعي من الجوع عند التنقل في الصحراء، فكبروا الكلمة وأعطوها قدسية طلباً لفرصة تقديم الكرم عند رؤية عابر السبيل لتشرئب أعناق طمعاً في رضاهم عن أنفسهم، وطمعاً في كسب المحامد بين الناس.


ومفهوم الكرم تأزم لدى العرب بعد ذلك، ودخل إلى دهاليز التبذير والتفاخر، وانحصر مفهوم الكرم لديهم في ذبح قرابين اللحم والشحم، غير مدركين معناه الجميل!


فالكرم أن تبتسم في وجه من بيدك مساعدته وانت في موقع عملك.


والكرم أن تتكرم بوقتك وتتوقف عما يشغلك، لتعطي ذلك الوقت لمن يحتاجك في نصيحة، أو يحتاج علمك، أو يحتاج تعاطفك فقط.


الكرم أن تنظر بعين القبول والاستيعاب لمن يختلف عنك.


الكرم أن تمتد خصائص الكرم لديك لتشمل الضعيف بشراً كان أو حتى حيوانا.


الكرم سلوك كريم في الناس، فقد يكون مجرد ايماءة لطيفة، أو كلمة ترفع معنويات أحدهم، أو ابتسامة، أو مصلحة تقضيها لغيرك. الكرم ألا تسرق الضعيف.


الكرم ألا تفرض وصايتك على غيرك.


الكرم عالم آخر كبير وواسع جداً.


والعرب لا تعرف منه إلا تعبئة البطن، وبعد تعبئة البطن يختفي الكرم لتكون صفة التعامل بينهم هي الأنانية إلا من رحم ربي.


ونضيف الى كلام القصيبي غياب فضيلة التطوع في مجتمعاتنا. فنحن لا نتردد في الجلوس في المقاهي والديوانيات، ومجالس الأعراس والعزاء، لساعات وساعات، ولكن لا أحد يود التبرع بخمس دقائق من وقته، أو جهده لمساعدة المحتاجين. فهناك آلاف المرضى الذين ينتظرون بفارغ الصبر من يقوم بزيارتهم، وقراءة الصحف لهم مثلا. وهناك أماكن كثيرة، كدور الرعاية والسجون، ومراكز العمالة المخالفة، التي يحتاج من فيها الى لمسة رحمة وإنسانية من اي كان، إن في صورة زيارة أو هدية بسيطة أو لفتة إنسانية. وربما يعود سبب خلو حياتنا لفضيلة التطوع لغياب الأمر في المناهج الدراسية ما يحث على التطوع ومساعدة المحتاجين، وزيارتهم وتنظيف بيوتهم، أو تنظيف ممرات المستشفيات مثلا. وحتى لو وجد هؤلاء بيننا، فإن النظام الإداري والاجتماعي لا يساعدهم على تنفيذ رغباتهم في التطوع.


إن ظاهرة، أو نظام التطوع موجود ومنتشر في الدول الغربية بشكل واسع، وخاصة في المراكز الاجتماعية، ودور العجزة، ولا يستنكف من كان يوما مديرا لشركة كبيرة من مد يد المساعدة، النفسية او العملية، لأي محتاج، وهذا برأيي منتهى نكران الذات، وقمة الكرم.




أحمد الصراف



الارشيف

Back to Top