تجاوز دبي لبنغلادش

أصدرت منظمة social progress imperative الأميركية، التي تهتم بقياس التقدم الاجتماعي في مختلف دول العالم من الناحية الاجتماعية، دراستها لهذا العام، والتي شملت 133 دولة. وتهتم المنظمة بقياس مدى جودة ما تقدمه حكومات الدولة لمواطنيها من خدمات صحية وأمنية، وحالة منافذ الدخول، وحصة الفرد من الناتج القومي، ومساحة الحريات، وفرص الاختيار، والتسامح، وغيرها الكثير، والتي تصب جميعها في مدى كفاية الحاجات الأساسية للمواطنين.

ولم يكن مستغرباً أن تأتي فنلندا في المرتبة الأولى، تليها كندا، ضمن قائمة الدول الأكثر تقدماً من الناحية الاجتماعية، تلتهما الدنمارك وأستراليا، لكن المفاجأة كانت تصدر الإمارات للمرتبة الـ39، والأولى على الدول العربية، تليها الكويت ثم تونس، والسعودية.

لست معنياً هنا بغير تصنيفي الكويت والإمارات. فالإمارات، من ناحية القدرات البشرية، ليست بأفضل منا، فكيف وصلت إلى هذه المرتبة، وأصبحنا أقل مستوى منها، على الرغم من أسبقيتنا في كل أمر؟! لقد كنا متقدمين عن كل محيطنا في الصناعة والمسرح والتجارة والتعليم والصحة، وفي جودة مطارنا وتميز طيراننا، ومساحة الحريات الشخصية، ومنها النشر والقول والحريات السياسية، وحصة الفرد من الناتج القومي، وكفاية حاجاتنا الأساسية، وتوافر الخدمات التعليمية والصحية، وغيرها الكثير!

لن نتطرق إلى الأسباب، بل سنركز على ما يمكن عمله لردم الهوة بيننا وبين دبي بالتحديد. ففي ستينات وسبعينات القرن الماضي «لم نخجل» من بناء المدارس فيها، وتعليم أبنائها، فلماذا نخجل اليوم من الاستعانة بتجاربها وخبراتها؟ فهذه الإمارة دفعت الكثير لكي تتعلم وتتطور، وليس من المعقول أن نعيد اختراع العجلة، بل الأفضل الاقتداء والاستفادة من أنظمتها الحديثة، خصوصاً ما يتعلّق منها بالأمن والتحكم في المرور وسلاسة عمل الموانئ، الجوية والبحرية، وقوانين التجارة والاستثمار، والمحافظة على البيئتين البحرية والصحراوية وتطويرهما، وغير ذلك الكثير الكثير. فقد عشت في الإمارات قبل 25 عاماً لفترة، ولي فيها مصالح تجارية، ووجدتها من دون مبالغة أفضل من دول عدة متقدمة عشت وخبرت أساليب العمل فيها. فدبي استفادت من تجارب الجميع وأخذت الأفضل وقامت بتطبيقه، خالقة بيئة عمل وتجارة وسياحة راقية وصحية.

يقول غير المقتنعين بتجربة دبي إن الفضل في تقدمها في الكثير من المؤشرات العالمية يعود إلى الخبراء الأجانب! وهذا كلام لا معنى له، فالعبرة ليست بالخبير بقدر ما هي فيمن اختار الخبير الجيد، وأنصت إليه. فالإنسان البسيط عادة ما يكون حكمه بسيطاً في اختيار من يساعده في أداء عمل ما. وبالتالي، فإن الفضل الأكبر لمكانة دبي يعود إلى العقول التي تديرها. كما أن هؤلاء «الأجانب» الذين يعزو البعض إليهم فضل تقدم دبي لم يفيدوا أوطانهم بالأفكار نفسها، فما السبب؟!

نحن لا نود التفريط في منظومتنا، وحتماً لا نطالب بتغيير مسؤولينا، وليس هناك ما ينقصنا لكي نكون الأفضل في محيطنا، فنحن لدينا ما لا تملكه دبي، وكل ما نحتاجه هو القرار، واختصار المسافات، وعدم التردد في الاستفادة من عميق خبرات دبي في مجالات لا عد ولا حصر لها. ومؤسف أن نترك دبي ونذهب إلى بنغلادش، لنستعين بخبراتها الأمنية!

* * *

• ملاحظة: 

تجاهل الطائفيين والمتعصبين الجهلة خير من الرد عليهم.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top