الأمانة والمواطنة

لو قام وزير التعليم في أي دولة عربية بإجراء استقصاء سري لمعرفة آراء طلبة المدارس عما تعنيه لهم الشهادة الدراسية، أو ما هو تعريفهم للأخلاق، وما هو النجاح في الحياة بالنسبة اليهم؟

في الغالب سيصدم الوزير من الإجابات حتما. فقد أدرك أغلب طلبة مدارس دولنا مبكرا أنهم لا يدرسون من أجل المعرفة، بل لأنه مطلوب منهم الحصول على شهادة ما، وليس مهما كيف! وبالتالي لبعضهم الغش مقبول، والواسطة تنتظرهم، والمحاباة ستقوم بالباقي، وليس في كل هذه الأمور ما يعيب، أو يجعلهم يشعرون بالخجل، طالما أنهم يرون كيف تمنح الوظيفة لمن لا يستحق، وكيف يترقى الفاشل ويبقى المجتهد في مكانه، ويعاقب الأمين ويكرم السارق علنا، وهذا يحدث في غالبية دولنا، لكي لا نقول كلها.

كما يمكن القول بشكل عام إن الشعوب العربية والإسلامية تعتبر الأكثر تدينا في العالم، ليس فقط بسبب طبيعة المعتقدات التي تتطلب منهم أداء الصلوات يوميا في مواقيت محددة، ولا بسبب تعدد دور عبادة التي تفوق نظيرتها في أي دولة اخرى، ولا لما يصدر عن مكبرات صوت مآذنها من صلوات، ليلا ونهارا، بل ايضا لم تتوقعه العقيدة من الفرد في القيام بأخذ زمام الأمور بيده، إن تقاعست الدولة أو السلطة عن ذلك! وبالتالي لم يكن مستغربا قيام اخوة شباب في السعودية بنحر والديهمـا، وقيام ثالث في الكويت بنحر أخيه الأكبر لشكه في إيمانه. أو ما نراه منذ عقود من استماتة عشرات آلاف الشباب للتطوع للقتال في حروب طائفية ودينية عبثية تبعد آلاف الأميال عن أوطانهم بحجة أن العقيدة، أو فريضة الجهاد، تطلب منهم القيام بذلك، وهو الأمر الذي لا نجد ما يماثله لدى الشعوب الأخرى، أو على الأقل ليس بمثل ذلك الانتشار وتلك الحدة. كما اصبحنا الوحيدين في العالم الذين نبحث عن الشخص المفطر في رمضان لنعاقبه، بينما الآخرون يبحثون عن الجائع، طوال العام، ليطعموه!

«قد» يكون كل ذلك مقبولا، أو مبررا، في ضوء التاريخ الإسلامي والتجارب السابقة، ولكنها جميعا فشلت في خلق المسلم المثالي الذي نسمع به ولكن لا نراه! فلا نزال من أكثر شعوب الأرض كذبا ودجلا وفسادا، وهناك حتما من هم أكثر فسادا وكذبا منا، ولكن هؤلاء لم يصفوا انفسهم يوما بأنهم افضل الخلق وخير البرية وزبدة الإنسانية.

كما أننا، ولأسباب معروفة، نعاني من عنصرية مقيتة تجاه شعوب كثيرة، فشلت كل دروس التربية في القضاء عليها. فالفرس مجوس، والهنود أغبياء والأفارقة كسالى، إلى آخره، أما نحن فخليجيون، أو مصريون أو فلسطينيون… ونفتخر!

ما أود قوله ان المجتمعات العربية بحاجة الى اعادة تثقيف وتربية، دينيا، سياسيا واجتماعيا، حول كيفية احترام الآخر والتعايش معه، واحترام ثقافته، ولغته، ولونه، ودينه، لاننا انحدرنا بعنصريتنا وطائفيتنا ونفختنا الكاذبة، إلى درك خطير، وليس أدل من هذا الانحدار الحروب الأهلية والخارجية التي يعيشها الكثير من دولنا، وما تعانيه مجتمعاتنا من تقسيمات طائفية وعرقية، وأحقاد وكراهية لا نهاية لها تمولها موازنات حربية وإعلامية عربية وإسلامية ضخمة.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top