اللي اختشوا ماتوا..!

تقول القصة التراثية إن حريقاً شبَّ في حمام نساء في القاهرة، ولم تسلم من الحريق إلا اللواتي هربن، وهن غير مكترثات بعريهن، لخارج الحمام، أما اللاتي استحيين من الخروج إلى الشارع، فقد لقين حتفهن. ومن هنا جاء المثل المعروف «اللي اختشوا ماتوا»!

وعلى الرغم من قدم وغرابة الحادثة، فإن ما يماثلها يتكرر في دولنا بطريقة أو بأخرى، بسبب تركيبة عقليات الكثيرين منا، مع كل هذا الطغيان الظلامي على تفكيرنا؛ فقد لقيت مجموعة من الطالبات حتفهن حرقا في سكن خاص في السعودية، نتيجة اندلاع حريق في المبنى، وقيام رجال الهيئة، بحجز الفتيات بداخله، وإغلاق أبواب الخروج أمامهن، لمنع خروجهن الى الشارع بغير «ستر»!

كما أخبرني قارئ عن تجربة مريرة مر بها، عندما كان يعمل في دولة خليجية، وكيف أن حريقا شب فجأة داخل سيارة خاصة تقل مجموعة من النساء، مع سائقهن الآسيوي. ويقول إن النساء داخل السيارة أُصبن بهلع وارتباك شديدين فلم يعرفن كيفية فتح ابواب السيارة بسبب تدافعهن بداخلها. ولسبب لم يعرفه، لم يتقدم لا هو ولا أي من المارة لتقديم يد العون لهن، ولكن سائق مركبة، ويبدو أنه كان غربيا أو غريبا، قفز من سيارته وسحب النسوة عنوة من داخل السيارة المحترقة، وأنقذهن من موت محقق.

لم ينتظر ذلك الرجل شكراً من احد، بل اتجه الى مركبته، وانتظر تحرك السير، أثناء ذلك وصلت سيارة الشرطة الدينية الى مكان الحادث، وبعد سؤال النسوة عن الحادث، اتجهوا الى ذلك الرجل الغربي، واعتقلوه بتهمة «هتك عرض»!

وفي حادثة مؤلمة وقعت في الإمارات قبل فترة، ونقلتها وكالات الأنباء، لقيت فتاة في مقتبل العمر حتفها غرقا، ليس لأن لا أحد تبرع لإنقاذها، او لعدم وجود «حراس شاطئ»، life guards، أو بسبب خطورة الأمواج وهيجان البحر، بل لأن والدها، الذي كان يقف حتى نصفه في الماء، منع بصراخه وتهديداته، أي رجل من التقدم لإنقاذ ابنته، صاما أذنيه عن صراخها واستغاثتها، بحجة أن من سينقذها سيمسك بما يخدش حياءها، وهذا «سيهتك عرضها»!

ماتت الفتاة غرقا أمام الجميع، ولكن من دون أن يمسّها رجل غريب! ولم تقم السلطات، وفق الخبر بمحاسبة «الأب» الملتزم دينيا، والذي ترك فلذة كبده، ربما لأنها فتاة وعورة، لأن تموت أمام ناظريه.

إن دولنا بحاجة ماسة لإجراء تغيير جذري لكل المسلّمات التي اعتدنا عليها، فلا يمكن ان نستمر في عزلتنا الثقافية والإنسانية عن العالم أجمع، وهذه ليست مهمة فرد أو جهة، كمركز الوسطية «الخرطي»، بل المسألة أخطر من أن تترك لجهة أو فرد، ومن الواضح أن وزارة التربية والتعليم عاجزة، حتى الآن، عن إجراء التغيير المطلوب بغير دعم شامل من الحكومة!


أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top