مصدر الأخلاق

يعتقد الكثيرون أن العقيدة الدينية هي مصدر الأخلاق والقيم، وأن هذه القيم قد تتأثر بمجرد التخفيف من تدريس الدين في المدارس، وسيدفع بمجتمعاتنا إلى الانحلال، وأقل تمسكاً بالأخلاق والقيم. ولكن الواقع غير ذلك، فأفضل مجتمعات العالم هي التي تتبع العلمانية، أي التي لا يدرس الدين في مدارسها، مثل اليابان والدول الاسكندنافية، والعكس صحيح طبعاً! وبالتالي، فما يبديه الكثيرون من تخوف على قيم المجتمع وأخلاقه، متى ما تم وقف تدريس مادة الدين، أو التخفيف من جرعتها، أمر لا يستند إلى أي أساس، فالكثير من قيم المجتمعات الحديثة مستجدة، فحتى لو آمنا بأن الدين هو مصدر القيم والأخلاق، فإن هذه القيم تكون عادة مقتصرة على المجتمع ذاته، ولا تسري بالضرورة على غيره. فالغش مثلاً محرم، ولكن الأمر يصبح محل خلاف إن غش مسلم، يهودياً مثلاً، أو لم يصدقه القول. كما أن الجهر بعدم الصيام وتناول الكحول في المجتمعات الإسلامية عمل غير أخلاقي، وينطبق المعيار ذاته على من لا يدفع الزكاة، وعلى السارق، بصرف النظر عن ظروف السرقة، وحجم ما سرق، فالحكم هو قطع اليد، وغير ذلك من أمور يرون أن العمل بها ضروري لحفظ قيم المجتمع وفضائله. ولكن مثل هذه الأمور لا تشكل بالضرورة قيماً أخلاقية في مجتمعات أخرى، بل وقد يوجد ما يناقضها تماماً، وفقدانها لم يجعل تلك المجتمعات سيئة أخلاقياً. وبالتالي، فإن المجتمعات الإنسانية بحاجة إلى قيم أخلاقية مطلقة جديدة ناتجة عن التفكير المنطقي والعقلاني، والذي يأتي من خلال نقاش حر ومستفيض يجمع الجميع على اختلاف مشاربهم. أي اننا بحاجة إلى تصميم منظومة أخلاقية لمجتمعاتنا قابلة للتغيير والتعديل مع مرور الزمن، ولكنها تنسجم مع العرف العالمي، ولا تتضارب معه بحيث تمكننا من التعايش مع الآخر بسهولة. فإنسان القرن الواحد والعشرين مثلاً أصبح لا يؤمن بالعبودية، ومع هذا نرى لها، في مختلف الاعتقادات، قواعد وتفرعات وشروط تتعلّق بتملك الإنسان وعتقه. كما أصبح الإنسان المعاصر يؤمن بمساواة الرجل بالمرأة، ويؤمن كذلك بمبادئ حقوق الإنسان، بمثل إيمانه بحقوق الحيوان، ويبدي اهتماماً متزايداً بالبيئة ويجرم من يعتدي عليها، وجميع هذه الأخلاقيات أو القيم جديدة لا علاقة للمعتقدات بها، حيث إنها تطورت عبر التاريخ من خلال فلسفات إنسانية بحتة.

إننا، في مجتمعاتنا الشرقية، أحوج ما نكون إلى التقارب مع الآخر، ليس فقط لحاجتنا إلى كل شيء يصنعه أو يزرعه أو ينتجه «ذلك الآخر»، بعد أن عجزنا تماماً عن خلق أي قاعدة صناعية تجارية أخلاقية يمكن الركون إليها، بل وأيضاً لفشل كل طرق وأساليب معيشتنا السابقة في تأمين حياتنا، وهو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من تخلف شامل.

فهل هناك من يمتلك رؤية إخراجنا من هذا المأزق، بغير العلمانية؟ أحمد الصراف  

الارشيف

Back to Top