«وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا»

ابد أنني وغيري ردَّدنا بيت شوقي هذا مئات المرات، على مدى عشرات السنين، وغالباً للتباهي بحفظه وترديده من دون اكتراث أو بذل اي جهد للعمل بمضمونه، لا كطلبة شباب ولا كمربين أو مدرسين، والمثل الإنكليزي يقول easier said than done

الأخلاق ليست فقط الخلق الطيب بل تشمل الأمانة والتصرف الحسن، أو الإيتيكيت، والكياسة واحترام الآخر، وهذه جميعها تقريباً لم يعرف عنها آباؤنا وأجدادنا الشيء الكثير، بالرغم من أنهم كانوا على خلق وأمانة، ولكن ليس بالمعنى الأوسع للأخلاق، فهذه تتطلب تعليماً وتثقيفاً أكاديمياً لا يتوافر غالبا في البيت، بل هي مهمة الجهاز التعليمي، وهذا ما لم يقم به على مدى نصف القرن الماضي، وكانت النتيجة سلبية على المجتمع ككل، ويقول أحمد شوقي في البيت الثاني من القصيدة: «وإذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً!» وهذا ما يحدث الآن في بلداننا، والكويت بالذات، التي لا يكاد يصدق عاقل ما يُرتكب فيها حاليا من كمٍّ غير مسبوق من الأفعال اللاأخلاقية، من جرائم سرقة وسوء أمانة واختلاس وكذب في المحررات، وغش تجاري مستفحل، وفساد إداري وتهرب وظيفي وافتعال الأمراض للتغيب عن العمل، وادعاء الإعاقة، وتزوير الشهادات الدراسية، حتى من قبل رجال دين «كبار»، ورضا مساويين لهم «علمياً» بتسلم رواتب لا يستحقونها على مدى ربع قرن من دون أن يرف لهم جفن، وهذه كلها أعمال غير أخلاقية، لا ولم نعتبرها كذلك لأننا عشنا فقط في وهم ربط الأخلاق بالأمور الجنسية للرجل، والمرأة، ونسيان، أو تجاهل ما هو أخطر وأهم من ذلك. ويكفي النظر للطريقة التي تصرفنا أو يتصرف فيها أبناؤنا مع بسيطي الحال من أفراد المجتمع من خدم وعمال، وحتى مع «معلمين» وأطباء وافدين، لنعرف مدى ما نحن بحاجة اليه من دروس مكثفة في الأخلاق! فكثيرون منا لا يعرفون حتى كلمة «شكرا» أو عذرا، وإن عرفوا خجلوا من استخدامها، ربما ترفعا. كما يصعب على هؤلاء وغيرهم الاعتذار عند اقتراف أصغر أو أكبر الأخطاء، والاكتفاء بتبرير الخطأ!

نكتب ذلك تعليقاً على واقعة انكشاف أمر ما يقارب الـ100 طالب مبتعَث للدراسة في الجامعات البريطانية، قاموا بتقديم شهادات مزوّرة تتعلق باجتيازهم اختبارات اللغة الإنكليزية! وقام بعضهم فوق ذلك بالاعتصام أمام وزارة التعليم، مطالبين بعدم تجميد بعثاتهم أو حتى إيقاف مخصصاتهم المالية! وهنا لا نستغرب ذلك الكم الكبير من خريجي الجامعات الغربية، والأميركية بالذات، الذين لا يتقنون التحدث بالإنكليزية، دع عنك كتبتها!

لا نريد استباق الأمور، فالموضوع لايزال تحت التحقيق، ولكنه خطر بجميع المقاييس الخلقية، والسبب لا يعود لانعدام التدين، بل لتفشي انعدام الأخلاق في كل بيت ومرفق تقريبا، وهذه كارثة أشد وأكبر من تفشي الطاعون، أو وقوع زلزال مدمر، فالكوارث الطبيعية يمكن علاجها والسيطرة عليها، أما خراب النفوس والذمم فتأثيرها طويل ومدمّ.ر. أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top