التجارة في الإعجاز

استفاد الكثيرون من المتاجرة بموضوع الاعجاز العلمي والتاريخي والتربوي والتشريعي في القرآن، وربما كان أحدهم، الذي أطلق على نفسه لقب «فضيلة الدكتور»، وهو متخصص أصلا في الجيولوجيا، الأكثر استفادة! فلو راجعنا موقعه الإلكتروني لوجدنا أنه قام «بوضع» وتسطير عشرات الكتب في هذا الموضوع المربح، كما قام بتعبئة كاسيتات واشرطة وسيديهات بكلام يتعلق بنفس الموضوع، وبتكرار ممل. ولا شك انه لا يقوم بتوزيعها مجانا، فلكل شيء ثمن. وهو صاحب مقولة ان هتلر كان لديه «مستشار» عربي مسلم، ولم يذكر بالطبع اسمه. وهو الذي قال ان العلم، من دون ان يذكر اسم عالم معين، اثبت صحة وجود شق في القمر، تأكيدا لنص الآية القرآنية، وغير ذلك من غريب القول. 

وفي رسائل كتبها عبدالله المسند، أستاذ الجغرافيا السعودي في جامعة القصيم، والحاصل على الدكتوراه من بريطانيا في الجغرافيا المناخية، وفي رد مباشر عليه وعلى وامثاله من المتاجرين بالدين، كتب مجموعة رسائل دحض فيها كل ما قيل ويقال عن موقع مكة والكعبة، وكيف ان أغلب ما يقال ليس صحيحا. فليس هناك ما يؤكد وقوع مكة وسط اليابسة، أو أنها مركز الجاذبية الأرضية. ولم يثبت علمياً أن مكة والمدينة تقعان على خط طول جغرافي واحد على وجه التطابق، والصحيح أن الفارق بين الحرمين 13 دقيقة قوسية. ولم يثبت علمياً عدم وجود انحراف مغناطيسي للبوصلة في مكة، إلا عند من يتاجر بالإعجاز العلمي، فإبرة البوصلة بمكة وغيرها تتجه للشمال المغناطيسي. ولا صحة لمن يزعم أن أركان الكعبة الأربعة تشير إلى الاتجاهات الجغرافية الأربعة بدقة، بل الحقيقة ان فيها انحرافاً لأن شكل الكعبة الهندسي ليس مربعا في الأصل. ولا صحة لمن زعم أن مسار واتجاه المسعى ينطبق تماماً مع اتجاه خطوط الطول، شمالي وجنوبي، بل فيه انحراف يسير. ولا صحة أن مكة لا تتعرض للزلازل، فقد اهتزت أكثر من مرة، ومنها عام 1710 حيث تسبب بانهيار الركن اليماني. ولم يثبت حسياً ما يروج أن الطيور لا تحلق فوق الكعبة المشرفة، أو أنها لا تقع عليها. كما أن عدم تحليق الطائرات فوق المسجد الحرام هو قرار من الطيران المدني السعودي، وليس للدين علاقة بالأمر، علما بأن الأقمار الاصطناعية تمر فوق مكة دائما.

إننا نذكر هذه الحقائق لكي لا يفاجأ من يؤمن بعكسها، بمن يحرجه بتكذيبها. فالقرآن كتاب عقيدة، ولا يجوز التعاطي معه بغير ذلك، فالعلم والنظريات العلمية متجددة متحركة قابلة للتغيير في اي لحظة، وبالتالي لا يجوز ربط أو تفسير الآيات بحقائق علمية قابلة للتغيير بعد يوم او سنة مثلا.

الارشيف

Back to Top