ألست من هذه الأمة؟

أحمد الصراف

كتب الزميل جهاد الخازن مقالاً في «الحياة» اللندنية، أعلن فيه تطليق الأمة العربية طلاقاً بائناً لا عودة عنه، لأنها أمة تقتل أبناءها، تدمّر مستقبلها، تنفذ ما يريد أعداؤها، ثم تتهم الآخرين. وقال إنه كانت له طموحات وحدوية، من دون انتماء لحزب سياسي أو جمعية. وأنه كان وحدويا من منازلهم، كأكثر أبناء جيله، وانتقل من بهجة الأمل الى خيبة الأمل، دون المرور بمرحلة وسيطة. وأن عروبته جاءت بالولادة، ولكن الطلاق كان قراره وحده، وأنه لن يتزوج أمّة أخرى أو يدّعي انتماء آخر، بالرغم من أنه يحمل جنسيتين. ويقول، ونحن معه هنا، انه ليس من أمة يُقتل فيها المصلون في مسجد، والسياح في متحف، وتهدم الآثار، وتسبى فتيات صغيرات، ويهاجَم الأبرياء في برجين للأعمال في بلد، وفي «مول» تجاري في بلد آخر، وفي جزيرة سياحية في بلد ثالث. وانه يستطيع أن يكتب تاريخاً عربياً آخر، تاريخ جريمة من قتل ثلاثة خلفاء راشدين إلى تعاون أمراء المناطق في الأندلس مع ملوك أسبانيا ضد أحدهم الآخر، الى تسليم البلاد للمستعمر من مشرقها الى مغربها، ونحن الذين ابدعنا في الفلك والطب والكيمياء والجبر وغيرها، واخترعنا الصفر، وجعلنا أوروبا تنتقل من الظلام الى النهضة، ونمنا نوم أهل الكهف، ويا ليتنا بقينا نائمين. ولكن عندما استيقظنا شهدت بلادنا عصر نهضة ويقظة قصيراً، ثم رأينا رئيساً (مافيوزو) يغزو بلداً عربياً مجاوراً، ورئيساً نصف أمي يحكم بلداً 42 سنة ويدمّره. ورئيساً يختار «الحل الأمني» شهراً بعد شهر بعد 60 شهراً، وجماعة متطرفة تدمر بلداً عامراً في سنة واحدة، وعصابات سلّحها بلد أجنبي تقلب الحكم وتقتل الناس من شمال البلاد الى جنوبها.

ونزيد على ما قاله الخازن بأننا اصبحنا نشهد طائرات يمنية تقصف مدنا يمنية وطائرات سورية تقصف مدنا سورية وطائرات عراقية تقصف مدنا عراقية وطائرات ليبية تقصف مدنا ليبية، وغير ذلك من قصف شقيق لشقيقه!

ثم ينهي مقاله بالقول إنه لم يعد يريد البقاء في هذه الأمة، ولن يضع نفسه مع غالبية خاطئة مخطئة، ويرفض أن يكون متهماً على الهوية. وأنه قضى العمر يطلب السلام لنفسه وللآخرين(!) غير أنه يستسلم اليوم لقدره.

ولكن السيد الخازن يقول ذلك، بعد أن وصل لمرحلة متقدمة من العمر، فهل اكتشف كل هذه المآسي فجأة؟ وكيف يتبرأ الآن فقط من هذه الأمة، وهو الذي اعتاش من الكتابة عن مآسيها! ألم يستطع قراءة أين كانت الأحداث تتجه بأمته؟ ألم يستفد من عذاباتها، وهو الذي أشتهر بطول وعرض صداقاته مع عشرات الزعماء العرب، الذين اوصل غالبيتهم الأمة لما هي عليه الآن من تدهور؟ ألم يصادق من يدعي اليوم انه اخرجوه من طوره، ودفعوه ليكفر بالعرب والعروبة وما يتبعان من وحدة وتآخ؟ أين انت ايها المنطق؟

الارشيف

Back to Top