حكومة التان تان

تقول الأستاذة اللبنانية إلهام حلو إن للتربية، وعلى الصغار بالذات، تأثيراً رهيباً! تقول ذلك من واقع تجربتها العملية الطويلة. وان شركة أمازون مثلا قررت أن يسبق عرض كل حلقة من حلقات الرسوم المتحركة، كـ«توم وجيري»، تنبيه يفيد بأن ما في الحلقة من مفاهيم وعبر تعبّر عن أحكام مسبقة، قد تكون عرقية إثنية خاصة بالمجتمع الأميركي، وان على من لا يرغب من الوالدين في تعريض اطفالهم لمثل تلك المفاهيم منعهم من مشاهدة الحلقة. وقد اضيف هذا التحذير بعد شكوى الممثلة الأميركية، من أصل أفريقي، ووبي غولدبرغ من الصورة السيئة التي تظهر فيها صاحبة البيت «السوداء» في الصور المتحركة. هذا غير بقية مشاهد حلقات هذه المسلسلات من أمور لا تقرها قوانين أميركا نفسها، دع عنك بقية دول العالم المتحضر.

ما يسري على «توم وجيري» يسري على غيرها، كحلقات «تان تان» المصورة، التي تتضمن أمورا عنصرية بإظهارها أهل الكونغو وكأنهم أغبياء، وكيف أن «تان تان» الأبيض هو المتحضر والعصري. كما أن كتب الدول التي لا تزال تتمسك بنوع أو آخر من الشيوعية أو الاشتراكية تظهر الجميع بمستوى اجتماعي واحد، وبرداء أو زي أزرق أو أحمر مماثل، وهذه الصورة عن «الآخر المختلف» تستقر، مع الوقت، في أدمغة الصغار وتتسرب لخلايا أدمغتهم، من دون أن يشعروا أو يشعر ذووهم بما لها من تأثير سيئ، يصعب مع الوقت مسحه أو التخلص منه بسهولة. (انتهى الاقتباس).

ولو نظرنا الى مناهج مدارسنا، وما تتضمنه من رسائل عن الآخر، لما وجدناها تختلف كثيرا عن رسائل «تان تان» أو «توم وجيري» السلبية، وإن بصورة أكثر عنصرية واكثر تطرفا. فلا يوجد في أي من هذه المناهج مثلا ذكر أن لهذه الدولة أو تلك فضل في اكتشاف دواء أو غذاء أو مادة مهمة ما، كما لا يوجد فيها ما يعني أن كل ما نرتديه أو نأكله أو نستخدمه هو في الحقيقة من صنع وإنتاج وتعب الغير، أو أن علينا أن نغير من أنفسنا ونصبح شعوبا منتجة، وليس عالة على العالم. بل ما نجده هو التركيز الشديد على «فضلنا» على العالم، وصحة جميع مواقفنا، وسلامة رسالتنا، والتركيز، وإن بطريقة غير مباشرة، على أن بإمكاننا الحصول على ما نريد بفضل نعم الله علينا بما نملك من ثروة وثراء لا ينضبان، والذي سخر لكي نشتري من الغير (الغرب) ما نريد، ولكي ندفع رواتب من يقوم على خدمتنا!

والغريب، أو ربما من الطبيعي، أن ايا من مناهج مدارسنا لم تتطرق كذلك للطريقة الخاطئة التي نحيا بها، ولا لاسلوب الإسراف المتبع في كل بيت، وضرورة ترشيد إنفاقنا. فمن وضع المناهج، أو راجعها وأقرها كان يعيش في عالم آخر، وبالتالي كان الهبوط الكبير الأخير في أسعار النفط مفاجئا للكثيرين، وكأن لا أحد حذر من وقوع هذا الأمر يوما.

إن الوضع خطير والطوفان قادم، ورفع الدعم عن المواد الأولية والبترول سيخلق نقمة، ولو عالجنا الأمر قبل سنوات بالرفع التدريجي سنة بعد أخرى لما حصل ما سيحصل من رفض واحتجاج، ولكن «وين اللي يفهم؟» مثل هذه الأمور، وهم الذين أنفقوا الملايين على شراء أصوات واقلام عشرات المرتزقة، ليأتوا اليوم ويسحبوا بساط الجنسية من تحتهم؟

الارشيف

Back to Top