نصر الميكروفونات

ألقى طارق سويدان، الذي يعرّف بالداعية، وهو رجل أعمال علاقاته قوية بالإخوان المسلمين، كلمة في جمعية المعلمين الإخوانية الكويتية، في أوج الحرب الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، قال فيها، وهو يرتدي ملابس أنيقة، ويتمتع بالأمن والشبع، وغترته تتطاير على هواء المكيف، بعيداً عن دوي المدافع وهدير القنابل وأشلاء القتلى في القطاع، وصياح الأيتام في شوارعها، ونواح الثكالى على ابن وأب وأم وزوج مفقودين، يقول: نحن في صراع وجود مع بني صهيون، و«دولة» إسرائيل «دولة» نشاز، والمعادلة بيننا وبينها انتهت، وكنت في لقاء مع أخي خالد مشعل (في فندق 5 نجوم في الدوحة)، وقال لي إننا لن نقبل بوقف إطلاق النار، فقد انتهى ذلك العهد، انتهى عهد المطالبة به، فالنار ستستمر وإطلاق الصواريخ سيستمر. واستطرد سويدان: إنهم (أي الإسرائيليين) يألمون، كما تألمون (يقصد يتألمون)، وأن صواريخ غزة عطلت إسرائيل تماماً، وتجمد العمل فيها، ودخل الإسرائيليون حجورهم (يقصد جحورهم)، وهم يرتجفون، فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ونحن ليس لدينا مشكلة مع الموت، بل نتمناه. ونحن نطالب باستمرار إطلاق الصواريخ حتى يركع الإسرائيليون أمامنا! (تصفيق حاد من الحضور)!

انتهى الاقتباس من الخطبة الموجودة على اليوتيوب.

لا أدري حقيقة، لِمَ لا يذهب السيد السويدان، وجماعته من الإخوان، وأبناؤهم لمحاربة إسرائيل، إذا كانوا حقاً يتمنون الموت، بدلاً من الجهاد من وراء الميكروفونات؟ خصوصاً أن قتلانا في الجنة، فإن نجحوا في مسعاهم استعدنا فلسطين من اليهود، وذهب قتلاهم للنار، وإن فشلوا فسيربحون الجنة، وسنربح نحن «فرقاهم»، وبالتالي مشاركتهم في الحرب الفعلية ستكون «مربحة» لنا جميعاً!

المهم أن كلام السويدان، وتعهدات مشعل كانت كلها «كلام في كلام»، فإطلاق النار والصواريخ لم يتوقف بين إسرائيل وحماس الإخوانية فقط، بل وأجبرتها بنود الاتفاقية على أن تصف مقاومتها بـ«أعمال عدوانية»، كما بيّنت بنود الاتفاقية! والتي لم تحصد منها، حتى الآن، غير زيادة بضعة أميال صيد سمك عما كان مسموحاً به في السابق، فمن الذي فاز في تلك الحرب إذاً؟ وهل كسب بضعة أميال صيد بحرية كان يستحق كل هذه التضحيات في الأرواح، والخسائر المادية الهائلة في الجانب الفلسطيني المغلوب على أمره، والمجبر على قبول دكتاتورية الإخوان، إلى الأبد؟ وهل أصيبت إسرائيل حقاً بالشلل، أم أن غزة، وحكومتها، هي التي أصيبت بالشلل؟

إن المعركة مع إسرائيل، التي جف ريقنا ونحن نكررها، حضارية، وليست صاروخية، خصوصاً إن كانت من النوع البدائي. إن قلوبنا وعقولنا ومصيرنا مع الشعب الفلسطيني، ولكن ما تفعله حماس في القطاع هو نوع من الانتحار بحق كل الفلسطينيين، فالذي يحدث، في كل حرب، هو زيادة قتلانا وجرحانا وخسائرنا المادية الهائلة، وبالتالي زيادة تخلفنا مع ازدياد الأيتام والعاطلين عن العمل بيننا، ثم تأتي حماس لا لتعتذر وتبني وتعلم، بل لتصر على النصر وتتعهد بزوال إسرائيل، وانتصار حماس الوحيد هو في بقائها في السلطة، ولو كانت لدى قيادتها شعور بالمسؤولية، لاستقالت بدلاً من أن تدعي نصراً لم يتحقق، وربما لن يتحقق.

الارشيف

Back to Top