الاحتفاظ بالكيكة وتناولها

يقول المثل الإنكليزي you cant have the cake and eat it! أي، ليس بالامكان الاحتفاظ بالكيكة وتناولها، في الوقت نفسه!

هناك دول متحضرة، وأخرى غير ذلك. وهناك شعوب، أو مجموعة ضمنها، متحضرة، وهناك ما هي غير ذلك، أو عكس ذلك. فاستراليا مجتمع متحضر، ولكن أقلية الأبوريجينز مثلا ترفض كل اشكال الحياة العصرية، بتطرفها وتحضرها، واختارت أسلوب حياتها. وبالتالي ليس هناك عقائد دينية متحضرة وأخرى غير ذلك، فليس هناك حضارة يهودية أو بوذية أو هندوسية، بل هي عقائد، متعددة المصدر، وجدت من أجل وضع نظام حياة معين لمجموعة من البشر، وبالتالي هي لا علاقة لها ببناء الحجر أو تطوير الثقافة أو زيادة الإبداع وتشجيع الاكتشاف وتطوير الاختراع. ولكن مع هذا يطيب للبعض الادعاء بالقول ان هناك حضارة إسلامية، وهذا حلم أو تمن تدحضه الوقائع، والأفضل القول انه «كانت» هناك حضارة «دار إسلامية»، كما كان المفكر الكويتي الراحل أحمد البغدادي يميل للقول. والدليل أنه في أوج وصول الإسلام لمنجزاته الفكرية والعلمية، كان الدين نفسه منتشرا في مناطق شاسعة، ولا يزال، ولكن علامات الحضارة، أو منجزاتها لم تظهر إلا في مناطق محددة، كبغداد العباسيين، وإلى حد ما أندلس الأمويين، ولأسباب وظروف معينة، ولم تشمل المكان الذي كان أساسا حاضنة الإسلام، كدين وعقيدة.

ويقول المفكر المصري سيد محمود القمني انه إذا كان المقصود بالحضارة الإسلامية كوكبة العلماء الذين ظهروا في القرنين الثالث والرابع الهجريين، فإنهم لم يكن بينهم عرب غير الكندي، وكان فيلسوفا متواضع القدر. ولم يكن ظهور تلك الكوكبة بسبب الدين أو علاقة إقامته لحضارة، وإلا كان من الضروري أن يظهروا مع ظهوره، لا أن يظهروا في زمن بعينه، ثم يختفوا باختفائه! فما أنتج تلك الكوكبة من العلماء هي ظروف ذلك الزمن بالتحديد، وهي التي انتجتهم، وليس العقيدة ولا العرق ولا تقاليد العرب. فقد كان الزمن زمن انفتاح حضاري على حضارات العالم القديم بالترجمة والنسخ والإضافة. زمن ذهبي لإمبراطورية قوية لا تخشى على نفسها من الأجنبي، فتحت بلاطها للمستنيرين فجعلوه مكانا «حرا» للعلم بصنوفه، والشعر والموسيقى والأدب، وهذه البيئة المنفتحة هي التي انتجت، ولكن كل ذلك انتهى وذهب علماؤه عندما اغلقت أبواب الحرية، وبقي الدين قبلها واثناءها وبعدها، رغم كل عيوب الانفتاح والفجور.

ويبدو أن البعض في دولنا يحاول الاحتفاظ بالكيكة وتناولها في الوقت نفسه، وهذا لا يمكن أن ينجح. أما الذين لا يحاولون اصلا القيام بأي شيء، وهم الأغلبية، فمآلهم الفناء.

الارشيف

Back to Top