أغسطس فبراير.. والصين!

في 2 أغسطس غزت قوات صدام الكويت واحتلت الوطن وعاثت فيه تخريبا وقتلا، كان في غالبيته عبثاً، ولكن لم يطل أمد الاحتلال، فقد اضطر الطاغية الأهوج الى أن يسحب قواته بعد سبعة اشهر، وتكون تلك بداية انهياره وفنائه وابنيه العاقين! وكان لافتا للنظر خلال تلك الأشهر العجاف، عجز صدام التام عن إيجاد من يتعاون معه من كويتيين، في محاولة لإعطاء احتلاله شيئا من الشرعية، أو لتأكيد ادعائه بأنه دخل الكويت لإنقاذ شعبها من «طغيان» أسرة الصباح. ويمكن القول - مجازاً - إنها ربما كانت المرة الأولى في التاريخ التي لم يجد فيها محتل فردا واحدا على استعداد للتعاون معه ضد حكومته الشرعية. وربما كان هذا الاحتلال فريدا من نوعه، حيث فاق عدد قوات الاحتلال عدد من تبقى من مواطنين في تلك الدولة حينها! وقد كان لرفض الكويتيين التعاون، وصمودهم وتضحياتهم، ضمن امور كثيرة اخرى، دور في الإسراع في تحرير وطنهم!

كان ذلك قبل 24 عاما تقريبا، وعيد التحرير في 26 فبراير يقترب سريعا، ولكن الكويت 26 فبراير 1991 غيرها اليوم بكثير.

* * *

بنى الصينيون سورهم العظيم قبل ميلاد المسيح بمائتي عام، ليحميهم من الغزاة، وكان صرحا هندسيا رائعا، امتد على أكثر من 20 الف كيلو متر من الاسوار والموانع الطبيعية، ولا يزال يشهد على عظمة ذلك الشعب. وقد نجحت مناعته في صد غزاة الشمال على مدى أعوام طويلة، فقد كان تسلق علوه الشاهق أو إحداث ثغرة فيه أمراً بالغ الصعوبة. ولكن سرعان ما تراخت قبضة الدولة الداخلية، وزاد الفساد، وانتشرت الرشى، بحيث أصبح لكل شيء ثمن، وهنا استغل أعداء الصين ثغرة خراب الذمم وانتصروا على السور ليس بتسلقه أو هدمه بالمدافع الحديثة او بتفجيره بالديناميت، بل بدفع رشوة لرئيس حرس إحدى بوابات السور، ففتحها لهم، وهذا يشبه وضع البعض في الكويت الذين يركِّبون أفضل الأقفال لأبواب بيوتهم، ولكنهم يسيئون معاملة خدمهم.

ولو نظرنا الى الكويت، وقارنا أخلاق وأحوال شعبها اليوم بما كانت عليه في 2 أغسطس 1990 لوجدنا بوناً شاسعا، على الرغم من قصر الفترة وزيادة الثراء، وقلة المشاكل الحقيقية! وسبب ذلك يعود الى غياب وتآكل العناصر التي كانت توحد مكونات الشعب، بعد أن سمحت الحكومة، ربما متعمدة أحيانا، بأن تفرق تلك المكونات ليسهل لها الحكم والتحكم، ولكن نفَس مثل هذه السياسات قصير، وقد دفع الجميع ثمنها غاليا، فقد اصبحنا شعوبا متفرقة داخل الشعب الواحد، واصبحنا نفتخر ونتباهى بانتماءاتنا الطائفية والقبلية، وأصبح الحضري والقبلي، السارق وصاحب السوابق، أفضل من غيره، إن عرف كيف يدغدغ العصبيات ويخاطب الغرائز. والمؤسف أن الوقت قد تأخر، وأصبح الخراب متأصِّلا ومتجذِّرا بشكل عميق، ولا أمل في أي إصلاح حقيقي قريب.

الارشيف

Back to Top