شيماماندا وتيد

قد تستقر في الذاكرة البشرية أمور معينة على غير صورتها الحقيقية، وتصبح نوعا من المسلمات تتوارثها الأجيال، جيلا في إثر جيل، لتصبح مع التقادم وتعاقب الأزمنة والعصور، نوعا من التراث الإنساني الذي لا يقبل له الإنسان تبديلا ولا تحويلا. (الزميل صالح الشايجي)

تيد ted اختصار للكلمات الإنكليزية: تكنولوجيا، تسلية وتصميم، وهو اسم برنامج يشاهده سنويا على الإنترنت مليار مشاهد، ولا أعتقد أن حصتنا من ذلك تذكر! تتلخص فكرة برنامج «تيد»، الذي اوجده ريتشارد ورمان عام 1984، في أن هناك أفكارا لدى البعض تستحق أن يعرفها الغير، وبالتالي كان لا بد من الاستماع لها وتسجيلها ونشرها، وهكذا قام المشرفون على هذا البرنامج غير الربحي بدعوة عشرات الآلاف، وقلة منهم من عالمنا لإلقاء محاضرات، وتسجيلها وبثها بمختلف الوسائل، ويمكن الاطلاع على ثروة ثقافية وعلمية من محاضرات تيد التي لا يزيد وقت أي حلقة منها على 18دقيقة، من خلال موقعهم على الإنترنت، وسبق أن شارك فيها زعماء وسياسيون كبار من أمثال الرئيس بيل كلينتون والكاتب مالكولم كودويل وآل غور، وعدد من حملة نوبل. كما شاركت الشيخة القطرية مياسة في حلقة منها مؤخرا، إضافة الى سيدات عربيات غير مسموح لهن بقيادة «العربيات»!

ومن محاضرات تيد الجميلة تلك التي القتها القاصة النيجيرية شيماماندا أديشي، التي كانت بعنوان «خطورة القصة المنفردة»، والتي تحدثت فيها عما تحمله الغالبية منا من انطباعات خاطئة عن شعب أو فرد! فنحن في الخليج مثلا لا نعرف عن الهنود والفلبينيين والبنغال والباكستانيين والسريلانكيين، وحتى الإيرانيين غير أنهم ليسوا عربا، وقدموا الى بلادنا للعمل في مهن متدنية، وبالتالي نحن أفضل منهم. وهذا ما يحدث مع أمم أخرى، وحتى الأوروبية المتقدمة، فهي لا ترى في أفريقيا مثلا غير أسود وقرود ومناظر طبيعية وفقر وحروب وأوبئة ولغات بدائية مضحكة، وشعوب متوحشة تعيش على أطراف الغابات، وتفضل البقاء طوال اليوم نصف عارية. وهذا تسطيح وأبعد ما يكون عن الحقيقة في الحالتين، فهذه الشعوب التي نسخر منها تمتلك إمكانات، وقدمت للتراث البشري ما لا يمكن حصره. وتقول شماماندا إن شخصيات قصصها التي كانت تكتبها، وهي صغيرة، كانت دائما ذات عيون زرقاء وبشرة بيضاء، فهي صفات ابطال الروايات، الإنكليزية غالبا، التي كانت تقرأها، وبالتالي لم تكن تتخيل، قبل ان تطلع على روايات كتاب افريقيين، أنه من الممكن أن تكون شخصيات أي رواية من أصحاب البشرة الداكنة وبعيون سوداء! وتقول إنها كانت تعتقد أن اسرة الخادم الذي كان يعمل لديهم فقيرة ولا تتقن شيئا، لأن والدتها كانت تصفهم بذلك، ولكنها فوجئت، عندما زارت قريتهم، بامتلاكهم لما لم تكن تتصور وجوده لديهم، إضافة الى قدرتهم على صنع اشياء كانت هي واسرتها عاجزة عن صنعها. وملخص رسالتها أن علينا أن نفتح أذهاننا، ونعرف هويات الغير الحقيقية، ولا نكتفي بالصورة النمطية التي نحملها عن شعب معين، أو نكتفي بقراءة «رواية واحدة» فالعالم وافر بالثراء، ولكل شعب جانبه الرائع والجميل.

الارشيف

Back to Top