خدم ومعازيب

 أظهر الشعب الياباني، خلال الكارثة النووية والبيئية التي ضربت بلادهم قبل سنوات قليلة، تضامنا اجتماعيا وتراحما فريدا من نوعه، وهو تصرف ليس ببعيد عن أخلاقيات شعب صنع المعجزات في مجالات عدة، ونجح في خلق أمة تنافس أكبر الدول الصناعية، وتصبح فوق ذلك قدوة لغيرها. وساعدها ثراؤها المادي والثقافي في التصرف بمنتهى الانسانية أثناء فترات الكوارث، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه مع شعوب كثيرة أخرى، أقل حظا منها.

تقول الصديقة «مارتين»، زوجة سفير هولندا في مانيلا، إنها عاشت تجربة العاصفة الهائلة التي ضربت الفلبين، ورأت مدى ما خلفته من دمار، وقالت إن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الخسائر البشرية والمادية، بل في هاجس الخوف الدائم الذي يعيشه سكان آلاف الجزر الفلبينية عن موعد العاصفة التالية! فغالبية تلك الجزر تقع في ممر مئات العواصف العاتية، التي تأتي من الشرق، وبالتالي ستستمر ويلات هذه المنطقة الى الأبد. ويقول الصديق بنجامين إنه شعر بتأثر عميق، ليس فقط لما أصاب تلك المنطقة من كوارث، بل للتصرف الإنساني الذي بدر من اثنتين من العاملات معه، من سكان تلك المنطقة المنكوبة، فقد قام، وكل فرد من أسرته، بما يمليه عليهم الواجب في تقديم المساعدة لهما لإرسالها لأهاليهما، ولكنه عرف، مصادفة، أن المبالغ التي دفعوها لهما قد تم توزيعها على أهالي القرية التي تنتميان إليها، ولم يقتصر صرفها على عائلتيهما. وقال إنه لم يكن ليصدق لو لم يتصل به صديق مشترك ليخبره بمثل ما حصل معه مع خدمه. وختم اتصاله بالقول إن هؤلاء الذين نعتبرهم في قاع المجتمع، ونعاملهم وكأنهم أدنى مستوى منا، قد تصرّفوا بطريقة أكثر انسانية من الكثيرين! وطلب مني البحث في الموضوع، وهذا ما قمت به بالفعل وسؤال من يعملن لدي عن مدى استعدادهن لمشاركة آخرين، من أقرباء وجيران، في مبالغ المساعدات، فقلن بأنهن غالبا ما سيطلبن من أهاليهن مشاركة الآخرين بما جمعن من أموال ومساعدات عينية! وطبعا هذه ليست قاعدة، وإن كانت، فلها استثناءاتها! ولكن الجميل أن يصدر مثل هذا التصرف، أو ما يقاربه، ممن لا نهتم عادة بمشاعرهم، فهم في عيوننا خدم ونحن سادة، أو «معازيب»! ولكن هل حقا، كما ندّعي، نمتلك رحمة وكرماً أكثر منهم، كوننا أفضل الخلق؟

الارشيف

Back to Top