تهيمن أو لا تهيمن

 يميل الزميل عبد اللطيف الدعيج، كبير كتاب القبس والكويت وعميدهم، الى وضع جزء من مسؤولية تدهور الوضع المحلي على عاتق المواطن، وهنا سنسمح لأنفسنا بالاختلاف معه، بعد تكراره لمقولته تلك! فالمواطن الجاهل غالبا بحقوقه، السيىء في تصرفه، والمقصر في أداء واجباته، هو في نهاية الأمر نتاج تربية دولة صغيرة «تهيمن» الحكومة فيها على كل شيء تقريبا، وترعى المواطن، وأحيانا كثيرة المقيم، من المهد وإلى اللحد! وقد تكون الكويت الدولة الوحيدة التي تدس حكومتها اصبعها في أنف المواطن، من دون أن تقوم بتنظيفه!

فرض الحكم العسكري في مصر حظر تجول فيها منذ عدة اشهر. وتسبب ذلك في إجبار سكان القاهرة على تغيير «عوائدهم» في السهر، والعودة إلى بيوتهم مبكرين، وبالتالي خلت المقاهي والغرز من روادها. ولو استمر هذا الوضع لفترة طويلة، وهذا ما لا نتمناه، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تغيير نمط حياة كثيرين، وهذا بإمكان حكومات كثيرة القيام به. فقد نجحت اليابان، وأيضا عن طريق حكوماتها، بعد هزيمتها المنكرة في الحرب العالمية الثانية، في إعادة النظر بطريقة معيشة وتفكير شعبها، التي أدت باعتقادها الى تلك الهزيمة، وعلمته لأن يصبح أكثر ميلا للسلم. كما غيرت عاداته المعيشية بصورة جدية، وفرضت نظاما غذائيا خاصا على ملايين طلبة المدارس، مما ساهم في النهاية في التأثير إيجابيا في معدلات نموهم، وارتفاع أطوالهم! فإن كان بإمكان بعض الحكومات زيادة معدلات نمو مواطنيها وإطالة أعمارهم، والرقي بأخلاقهم، فكيف نفشل نحن في دفع المواطن الذي لا ينقصه شيء إلى أن يحترم إشارة المرور على الأقل؟!

في الصين الشيوعية، وبمئات ملايينها التي ستصبح خلال بضع سنوات الاقتصاد الأكبر في العالم، نجحت حكوماتها في تحويلها من مجتمع زراعي متخلف الى صناعي متقدم، من دون المرور بحتمية الثورة الصناعية! فإن كانت الصين واليابان وكوريا، ولا ننسى سنغافورة، بمعجزات مؤسسها «لي كوان يو»، والتي تتوزع شعوبها على ملايين الكيلومترات، وبأعداد تقارب المليارين، لديها القدرة على تغيير اساليب معيشة شعوبها، وفرض عادات ونظم غذائية واساليب معيشة عليها غير التي اعتادتها طوال قرون، فكيف نفشل نحن في كل ذلك، ونزداد فوق ذلك تخلفا، وعددنا لا يزيد على المليون بكثير ومساحة ارضنا لا تتجاوز الــ18ألف كم؟

إن تضمين الدستور ما يفيد بهيمنة الحكومة على كل نشاط هو سبب بلاوينا ومآسينا، فلا هي قادرة على السير بتلك الهيمنة في المسار السليم، ولا هي بقادرة على تفويض جزء من هيمنتها للغير!

الارشيف

Back to Top