أينا أكثر أمانة؟

 تعتبر مجلة الريدرز دايجست، أو المختار بالعربية، المجلة الأميركية العائلية الأقدم والأكثر انتشارا في العالم، حيث صدرت لأول مرة عام 1922 وتطبع بـ21 لغة في 70 دولة، وتوزع أكثر من عشرة ملايين نسخة شهريا. كما تصدر طبعات منها بطريقة بريل والديجيتال وبالصوت، وتطبع منها نسخ بحروف كبيرة. وقد قامت هذه المجلة بإجراء تجربة فريدة وطريفة في الوقت نفسه، في عدد من عواصم العالم، حيث قامت برمي 192 محفظة جيب بداخل كل واحدة مبلغ 50 دولارا ورقم هاتف صاحبها وصورة عائلية، وذلك في أماكن متفرقة من 16 عاصمة، وكانت النتيجة غريبة جدا، فقد تبين أن سكان العاصمة الفنلندية، هلسنكي، الأكثر أمانة في العالم، وهنا طبعا الأمور نسبية، وليست بالمطلق! فقد قام 11 من اصل 12 شخصا، ممن وجدوا المحفظة، بالمبادرة من فورهم بالاتصال بصاحبها وإعادتها له. واحتلت العاصمة البرتغالية القاع! ولكن المفاجأة كانت في احتلال مومبي المدينة الهندية الأكبر والأكثر سكانا، وربما الأكثر فقرا في العالم، المرتبة الثانية، فقد أعاد 9 من أصل 12 ممن وجدوا المحفظة لأصاحبها. وبسؤال عدد منهم عن السر وراء أمانتهم، وكانوا في غالبيتهم من الهندوس متوسطي الحال، ذكرت فيشالي ماسكار بأنها تعلم أولادها دائما أن يتصرفوا بأمانة وهذا ما تعلمته من والديها، وبالتالي من الطبيعي ألا تتصرف عكس ذلك. وقال سيران كوبان، وهو مدرس تحت التدريب، انه وصل للمحفظة في اللحظة نفسها مع صبي، وأنه أصر على اخذها لعدم ثقته بالصبي، الذي وعد بإعادتها لأصحابها. وقال ان السبب في أمانته أن الآخرين يعاملونه بثقة وهو يقابلهم بالمثل، وعليه أن يكون أمينا ليكون جديرا بثقة الاخرين به. وقال عبد بن سالم، انه أعاد المحفظة بعد أن وجد بداخلها صورة أم وابنها، وليس هناك، بنظره، ما هو أهم من مثل هذه الصورة لصاحب المحفظة.

وبين التحقيق أن بودابست، عاصمة هنغاريا جاءت ثالثا ونيويورك رابعا، حيث أعاد 8 المحفظة من أصل 12، وموسكو وامستردام 7 وبرلين ولوبليانا 6 من أصل 12 ولندن ووارسو 5 من 12، وبوخارست وريو دي جانيرو 4 وزيورخ السويسرية 4 محافظ، وبراغ 3 ومدريد 3، واحتلت لشبونة، عاصمة البرتغال، المرتبة الأخيرة بمحفظة واحدة!

والآن يا ترى ما عدد المحافظ التي ستعاد لأصحابها لو أجريت هذه التجارب في دولنا؟! وتقديري أن الرقم لن يكون غريبا وعجيبا، بل سنكون في الوسط أو ربما اقل قليلا، فلا يزال فينا خير، ولكن الرقم حتما لن يتناسب وحجم الجرعة الدينية التي نتناولها كل يوم مقارنة بما يسمعه سكان اي مدينة أخرى في العالم من أذان ومواعظ من خلال مايكروفونات كل يوم داعية الى الأمانة والصدق!

الارشيف

Back to Top