نحن والسويد.. تحليل لمرتبة الفساد

نشر الزميل علي سعد الموسى في «الوطن أون لاين» السعودية مقالا طريفا سبق أن كتبنا ما يماثله في عدة مناسبات، ولكن ليس بمثل هذه الطرافة، حيث يقول: ما بين ترتيب بلد مثل السويد وبين موقعنا في قائمة الدورية تكمن مسافة التربية التي تتلقاها الشعوب المختلفة، وتؤثر في تصديها للظواهر والممارسات السيئة والخاطئة. فالسويد تتصدّر قائمة النزاهة والشفافية، بينما سأحتفظ بترتيبنا (السعودية)، لأنه لا يصح أن يصبح وثيقة في مقال مكتوب، ولكن في المقابل كيف وصل المجتمع السويدي إلى صدارة التصنيف، وكيف تربعنا بامتياز في مكان قصي من الصفحة الثالثة، رغم أن الأدبيات التي يتلقاها الشعبان المتناظران، نظرياً على الأقل، يجب أن تؤدي إلى النقيض، فالمجتمع السويدي لا يستمع إلى مائة ألف خطبة جمعة في الأسبوع، وكلها تحث على مخافة الله وتقواه. كما لا يوجد في السويد نصف مليون مسجد للصلاة التي لا تتوقف عن النهي عن الفحشاء والمنكر. ولا توجد في السويد وزارات أوقاف وشؤون دينية، ولا يعمل فيها ثلاثون ألف داعية، يقيمون في العام الواحد مليوني منشط دعوي هدفها حض المجتمع على الصلاح والنزاهة! ولا يوجد في السويد مخيم أو معسكر توعوي دعوي مثلما لا يوجد فيها عشر كليات للشريعة التي تضم الآلاف من الدعاة ومن طلبة العلم الذين يقرأون على هذا المجتمع عقاب الآخرة، ويحذرونه ليلا ونهارا من أكل المال الحرام، ومن مغبة هضم حقوق الخلق بالباطل. ولا يوجد في فضاء السويد 47 قناة فضائية دينية تبث ليلا ونهارا تعاليم ديننا التي تحرم الربا حتى وإن تكن حبة من خردل! ولا يدرس الطالب السويدي عشرين حصة في الأسبوع من كتاب الله وسنّة نبيه، التي لم تترك فضيلة واحدة أو سيئة من دبيب النمل إلا ووضعت لها منهاجاً في الترغيب والترهيب. ولا يقرأ المجتمع السويدي هذا القرآن العظيم، الذي لو أنزل على جبل لتشقق من خشية الله، فيما نحن نقرؤه تلاوة وتفسيراً وتجويداً بهذه الكثافة ونحمله أمانة فلم نتشقق، وهذا من طلب المستحيل، ولكن لم نرتفع في ترتيب الفساد سطراً واحداً من الصفحة الثالثة، حيث موقعنا في ترتيب المجتمعات والأمم.

وسؤالي: أنا لا أسأل عن السويدي لو أنه أيضاً استمع إلى كل ما نستمع إليه، وأين سيكون، ولكن سؤالي أين سنذهب لو أننا، مع وضعنا المخيف، لم نستمع أيضاً إلى كل هذه التعليمات السماوية الخالدة؟ - انتهى! -

ولا حاجة هنا للتنويه بأن من السهل جدا رفع اسم السعودية، ووضع اسم الكويت مكانه، دون ان يطرأ على المقال أي خلل، فقد أصيب مسؤولو التربية في دولتنا بحالة من الرهاب العصبي من المتاجرين بالدين، بعد أن نجح هؤلاء في فرض «بضاعتهم» على مناهج جميع المدارس، علما بأن العملية لا تحتاج إلى عبقرية لنعرف بان التركيز على اية مادة دراسية، بمثل ما يحدث الآن من تركيز على المواد الدينية من شأنه إحداث خلل عقلي رهيب ينتج عنه تخلف لا يمكن تجنبه. وهنا لا نهاجم تدريس الدين بقدر معارضتنا التركيز الشديد على مادة معينة، حتى لو كانت علمية بحتة، فلو قامت وزارة التربية والتعليم لدينا بإلغاء كل الدروس الدينية والترفيهية والفنية، واستبدلتها بمواد علمية لما كان حالنا أفضل، إن لم يكن أسوأ، فالعبرة بما يحتاجه الطلبة من مواد متنوعة تشمل كل أنشطة الحياة، وليس بالتركيز على مادة معينة وتجاهل ما عداها.

الارشيف

Back to Top