القتل المجنون

ما أول شيء يتبادر لذهنك عندما تسمع من يتلفظ بكلمات نابية ووقحة؟ ستصفه غالبا بعدم التهذيب، وقلة الأدب! وبماذا تصف من يقوم بعمل إجرامي، لغرض في نفسه أو للحصول على مال أو للانتقام الشخصي؟ ربما ستصفه بالمجرم وتستنكر فعلته وتشمئز من تصرفه. وقد تصف الاثنين وغيرهما بقلة الإحساس أو التربية! والتربية ترتبط بالتعليم بشكل وثيق، فلا تعليم بغير وجود تربية في صلب مقرراته، وليس هذا وضع مناهج اي دولة عربية، حتى تلك التي تسمى وزارة التعليم فيها بوزارة التربية، فما يدرس في مدارسنا لا يمت حتما للخلق والتربية بصلة كبيرة.

ولكن عندما تقوم جماعة مسلحة، إن في سوريا أو باكستان أو أفغانستان أو في العراق، كما حدث فيه قبل يومين عندما قتل 18 شخصا واصيب 12 آخرون من عائلة شيعية واحدة في هجوم متوحش على منزلهم في مدينة اللطيفية وإحراق المنزل بعد ذلك، هنا تصبح المسألة شيئا آخر، فهو ليس قلة أدب ولا وحشية ولا إجراما، بل شيء آخر مختلف تماما اقرب للجنون والانهيار الكامل لكل القيم منه لأي شيء آخر! ربما كان هدف هؤلاء القتلة السفاحين إشعال حرب طائفية، وهذه كان يمكن القيام بها بغير قتل أطفال رضع وهم في أحضان امهاتهم، بل بقتل رجال بالغين من الطائفة نفسها، وتفجير دور عبادتهم مثلا، رغم عدم إقرارنا بأي من هذه الأساليب الوحشية الحقيرة! ولكن أن يقتل ويجرح 30 فردا وتحرق جثث القتلى منهم، لبشر من الوطن واللغة والدين نفسها هنا يصبح الأمر خارج المألوف بكثير، فهؤلاء القتلة المجرمون يعلمون جيدا أن ليس بإمكانهم، ولا بإمكان اي قوة أخرى، مهما كبرت، قتل 15 مليونا من طائفة محددة، ليصفى الجو لأتباع طائفتهم. كما يعلمون أن هذا الفعل قد يرتد عليهم وعلى اهاليهم في رد فعل قد يكون أكثر إجراما ودموية، ومع هذا قاموا بافعالهم بدم بارد، او بغير دم أصلا، لأنهم مرضى لا يعبأون، وهم مرضى لأن مقررات مدارسهم، وتكيات مشايخهم، وفتاوى رجال دينهم أجبرتهم على مضغ وبلع ما لا طاقة لهم به من المواد والتعاليم الدينية، بأضعاف ما تتحمله عقولهم، فتحولوا إلى آلات قتل مجنونة لا تعرف كيف تفرق بين الصالح والطالح من الأمور!

لقد نادينا على مدى عشرين عاما بـ«أنسنة» مناهجنا الدراسية وتكثيف المواد العلمية، وإعطاء الموسيقى والشعر والفنون الجميلة الأخرى ما تستحقه من عناية واهتمام، إلا أن ما حدث كان العكس تماما، حيث تم تكثيف تدريس المواد الدينية على حساب كافة المواد الأخرى، حتى العلمية، وكانت المحصلة لذلك ما اصبحنا نراه ونلمسه ونعاني منه من تطرف وإرهاب. ولو كانت مناهج المدارس الحكومية أكثر إنسانية واكثر بعدا عن التعصب لما خسر الوطن المئات من ابنائه الذين ذهبوا ليحاربوا في أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وسوريا، وليلاقي البعض حتفه ويعتقل غيرهم، وذنب هؤلاء وضحاياهم يقع ليس فقط على من وضع مناهجنا المتخلفة، بل ومن وافق عليها، وحتى من سكت عنها، ولا استثني هنا وزير تعليم واحدا منذ ما بعد عهد الشيخ عبدالله الجابر وعبدالعزيز حسين وحتى اليوم.

الارشيف

Back to Top