مهمة سالم عبدالعزيز (2 - 2)

استكمالا لمقال الأمس المتعلق بكيفية علاج اختلالات الموازنة العامة الهيكلية، في ظل التهام بند الرواتب ودعم السلع والعلف والخدمات لــ %90 من الخلل العام، وقبل الاستطراد، فإنني أود القول ان تعيين الشيخ سالم عبد العزيز، محافظ البنك المركزي السابق، وزيرا للمالية، جعلني اشعر بمشاعر مختلطة! فمن جانب سبق أن كبرت فيه استقالته، لأسباب لا يعرفها بالدقة غيره، بعد فضيحة سياسية معروفة، ولكن عودته للحكومة وزيرا للمالية، دلت ربما على وجود أجندة لديه لتعديل الخلل المالي! أو أنه عائد لينشغل بروتين الوزارة، والرد على أسئلة النواب، وإجراء بعض التنقلات والإحالات للتقاعد، ومن ثم تنتهي فترته، لنعود، وكأننا لا طبنا ولا غدا الشر! ولكن سنحاول أن نكون حسني النية، ونفترض أنه قادم ليقوم بفعل شيء ما عجز كل من سبقه من وزراء مالية عن القيام به، وهنا يأتي موضوع هذا المقال.

فهو يعرف جيدا أن اسعار النفط تواجه ضغوطا في السوق العالمية، وهي مرشحة للازدياد، مع زيادة إنتاج النفط الصخري، وهذا ما توقعه الرئيس التنفيذي لشركة غلف أويل، اكبر شركة نفط عالمية. وبالتالي عليه أن يعرف أننا يجب أن نتحرك بسرعة لإصلاح الاختلالات الرهيبة في موازنة الدولة، وتقليل الصرف، وزيادة موارد الدولة غير النفطية، وترشيد تصرفات الحكومة المالية، ليس عن طريق العبث ببند الرواتب، فهذه قد اصبحت حقوقا مكتسبة، ولكن باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف لترشيد تصرف المواطن والمقيم وتحقيق الوفر المطلوب وإصلاح الاختلالات بطريقة معقولة. فنحن بحاجة أولا لإجراء تخفيض تدريجي على سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى، على مدى عام أو نصف العام مثلا، وهذا سيدفع المواطن لترشيد انفاقه بصورة تلقائية، وسيكتشف كثيرون ان ما يجلبونه للبيت من طعام وشراب مثلا يمكن التقليل منه بنسبة معينة من دون ان يتأثر مستوى معيشتهم! كما سيسعى آخرون للتقليل من سفرهم، أو اختيار وجهات سفر أقل كلفة من غيرها، او الاكتفاء بخادمة او اثنتين فقط في البيت، أو شراء سيارة اقل كلفة أو تدخين سجائر أقل، وهكذا.

كما يمكن رفع الضريبة على مواد غير ضرورية كثيرة، إضافة إلى رفع الدعم عن الكهرباء والماء، وخاصة لأصحاب الدخول العالية، ليصل سعر بيع الخدمة لمستوى يعلو على الكلفة بقليل، والعمل بنظام الشرائح! والهدف هنا، كما في الحالة الأولى، ليس اقتصاديا فقط بل اخلاقي وإنساني، فقد حان الوقت الذي اصبح فيه علينا واجب المحافظة على البيئة، ووقف هدر الموارد الطبيعية فيما لا يلزم، وتجاربنا مع هدر الطعام في شهر رمضان خير مثال.

كما على الحكومة اللجوء لاستخدام نظام ضريبة الدخل، فلا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه، فلا توجد دولة تحترم نفسها لا تطبق نوعا أو آخر من الضرائب على الشركات الكبيرة، واصحاب الأعمال، وأنا احدهم!

ونظام ضرائب متواضع وصغير حاليا، يؤسس لنظام اكثر قوة ودقة مستقبلا، أفضل بكثير من الانتظار لتقع المشكلة ونضطر لفرض نظام ضرائب شديد القسوة! كما يجب أن يصاحب كل ذلك رفع لمستوى الخدمات المقدمة، فما نلمسه الآن من صرف على عدد من المشاريع يصاحبه مستوى أداء ومصنعية وخدمة تقترب، بسبب الفساد الإداري الحكومي، من الحضيض.

وبالتالي نعتقد، كما بينا أعلاه، بأن ليس من طريقة لاسترجاع الزيادات الخيالية على رواتب الموظفين، بغير التصرف بقوة وبسرعة، وبطريقة علمية، من دون أن يتأثر صاحب الدخل المحدود مباشرة.

لدينا الكثير هنا لنقوله، ولكن المجال جد محدود.

الارشيف

Back to Top