ابن الحسب وبنت النسب

كان من المعتاد، ولا يزال الأمر كذلك في مجتمعات عدة، إطلاق صفات الحسب والنسب على أبناء وبنات أسر معينة، اشتهرت بأصولها أو بكونها مؤثرة أو ذات نفوذ وجاه، أو أنهم أصليون! وهذه التعابير والأوصاف أصبحت مع الزمن بالية ولا معنى لها، بالرغم من أنها كانت لفترة طويلة ذات أهمية قصوى وتوضع في الاعتبار عند المصاهرة أو المتاجرة، وحتى عند الرغبة في تكوين صداقات شخصية وبناء مصالح مشتركة وحتى في اختيار الجار! وسبب ذلك أن أبناء الأسر، أو السراة، كانوا عادة ما يتميزون بأخلاق عالية، أفضل من غيرهم، نتيجة تمتعهم بمستويات تعليم أفضل من غيرهم، وهذا جعلهم أكثر تهذيباً في تصرفاتهم وتعاملاتهم وترفعهم عن صغائر الأمور، أكثر من غيرهم. كما كان الكرم جزءا من شخصياتهم، وجميع هذه كانت قلّما تتوافر في أبناء العامة، أو المزارعين والفقراء. كما كان أبناء الأسر الثرية أكثر مدعاة للثقة والاحترام، لأسباب معروفة، مقارنة بغيرهم. كما كان حظ بنت «الأصول» في الزواج أفضل من غيرها! ولكن مع التطور المدني الذي شمل كل المجتمعات تقريبا أصبحت هذه النظرة شيئا من الماضي إن لم تكن أمرا باليا، فقد تغيّرت النظرة للشاب والفتاة تدريجيا بعد أن تقاربت المستويات الثقافية بين طبقات المجتمع مع انتشار التعليم، العالي غالبا، بحيث أصبح ابن العائلة الفقيرة لا يقل تهذيبا وفهما وكرما عن ابن العائلة الثرية، الذي ربما خرّبه الدلال، أو دفعته كثرة المال إلى عدم الاهتمام بدراسته أو تعليمه وتعليم أبنائه من بعده. كما أصبحت أمراض العصر الحديث من مسكرات ومخدرات غير قاصرة على مرتادي الحانات من أبناء الفقراء والطبقات الكادحة، كما كان الحال عليه سابقا، بل أصبح أبناء الأسر الكبيرة معرّضين كغيرهم، وربما أكثر لموبقات العصر، وأصبح لهم دور كذلك في الفضائح المالية والسرقات، خاصة بعد أن أصبح الحصول على متطلبات الرفاهية أكثر صعوبة عما كان عليه الأمر في السابق! كما أصبح أمرا أكثر من عادي أن نرى مهنيين كبارا؛ كالأطباء والمهندسين والعلماء والمحاسبين من المتحدرين من أسر ذات خلفيات متواضعة، يقابل ذلك انحسار في أعدادهم من أبناء السراة، وسبب ذلك النمو والتطور الكبير الذي شهدته المجتمعات، مع الثورة الصناعية، وتوسّع قاعدة الطبقة الوسطى، وزيادة تأثيرها في الحياة العامة، وخاصة في السياسة، فغالبية من حكموا بريطانيا مثلا في نصف القرن الماضي كانوا من المنتمين إلى الطبقة الوسطى، الأكثر تعليما. كما أصبحت المهن العالية المدرة في يد هذه الطبقة، التي ربما كان ربها إنسانا كادحا، لكنه نجح في توفير أفضل التعليم لأبنائه من خلال عمله كعامل في منجم فحم أو مصنع سيارات، وكل ذلك أدى لاختفاء الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع، وخاصة العليا والمتوسطة، بعد زيادة ثقة أفراد الفئة الأخيرة بأنفسهم نتيجة زيادة نفوذهم الاقتصادي والثقافي والفني، وبالتالي أصبحت مصاهرة أبناء السراة، أو الأسر المعروفة بفتيات الطبقة الوسطى، أو العكس، أمرا أكثر من عادي، بعد أن كانت لقرون عدة أمرا نادرا!

***
• ملاحظة: نهنئ الكويت وأنفسنا بفوز رواية الصديق والروائي سعود السنعوسي «ساق البامبو»، التي سبق أن كتبنا عنها وأشدنا بها، بجائزة أفضل رواية عربية لهذا العام، وقيمتها 50 ألف دولار، وقد نافس عمله الأدبي أعمال روائيين عرب كبار.

الارشيف

Back to Top