ذهب مع الريح

قلة من متابعي التلفزيون الأمريكي من لا تعرف " جي لينو " مقدم أشهر البرامج الترفيهية على الاطلاق  ،  ووريث الأسطورة " جوني كارسون " وصاحب أعلى أجر في تلفزيون إن بي سي  وبالرغم من ذلك فلم يسبق لوسائل الأعلام أن شاهدوا  زوجته أو نشروا صورتها أو تحدث أحد عنها ، بالرغم من كل تلك الهالة الإعلامية الكبيرة التي تحيط بشخصية زوجها الشهيرة  .
وفجأة كسرت الزوجة جدار الصمت والعزلة وظهرت في مقابلة تلفزيونية بصحبة زوجها على برنامج " لاري كنك لايف " . وعندما سألها الإعلامي المشهور عن السبب الذي دفعها للظهور في برنامجه قالت بهدوء غريب بأن المرأة الأفغانية هي السبب !!!؟؟  فهي ، كإنسانة حساسة ورقيقة ،لم تحتمل ما تتعرض له أحد عشر مليون امرأة وفتاة في تلك الدولة التعيسة من ظلم وتعسف وقسوة في المعاملة بصورة لم تحدث لأي شعب أو فئة في التاريخ الحديث . حيث فرضت العزلة التامة عليهن ومنعن من ترك بيوتهن بغير محرم وحرمن من نعمة التعليم ورؤية الهواء الطلق والسفر بدون سبب إلى خارج البلاد . وتعرضت مئات الآلاف منهم للضرب المبرح في الطرقات والميادين العامة لأكثر الأسباب تفاهة ، وفي مرات كثيرة فقط لكونهن إناث !!! وقد زاد من محنتهن وما يتعرضن له من ذل ما صدر من قرارات منعن من جرائها من مزاولة أي عمل كان خارج المنزل ، مما عرض ، ليس فقط معيشتهن ورفاهية طبقة كبيرة منهن للخطر ، بل أصبحن بدون كرامة بعد أن انقطع مورد رزقهن الوحيد . وهذه حالة تقول السيدة ميفنز ليولم تعرفها أكثر المجتمعات تخلفا في العالم منذ عقود طويلة !!!
واستطردت السيدة ميفز لينو ، وهذا هو اسمها ، بالقول بأن كان من الممكن عدم الاهتمام بما تمر به المرأة هناك من ظروف لا يمكن تخيل صعوبتها لو كان ذلك جزءا من تاريخها وتراثها الديني ، ولكن المرأة كانت تتمتع هناك وبموجب دستور 1960 بقدر كبير من الحرية ، وكانت لها كامل الحقوق السياسية . وكانت تعيش حياة طبيعية ، وتسافر وتعمل وتعيل آلاف الأسر . وفجأة قرر الحكم الجديد ، وخلال ساعات فقط من استلامه للسلطة ، وضع الملايين منهن خلف قضبان بيوتهن لمجرد أنهن " عورت " أو عورة !! كما تسمى النساء في الهند وبنغلادش وباكستان وأجزاء كبيرة من أفغانستان !!!
تسبب سوء المعاملة المخيف الذي تعرضت له المرأة في أفغانستان في جعلها تشكل العدد الأكبر من المهاجرين الهاربين من جحيم جهل طالبان إلى جحيم ذل مخيمات اللاجئين والذي بلغ الملايين في باكستان وإيران !!!
                            ***********************
أثناء كل ذلك بقي من أوصل تلك البلاد ، من خلال صناديق تبرعاته ولجانه الخيرية ، إلى ما هي عليه من تخلف وذل وفقر ومرض صامتا وكأن الأمر لا يعنيه . ولهذا تحركت " ميفز لينو " ومعها عشر سيدات أخريات وشكلن لجنة دولية لجمع التبرعات لمساعدة النساء والفتيات والأطفال الأفغان وقد بلغت ما جمعته من أموال في ليلة واحدة أكثر من خمسة ملايين دولار دفع منها زوجها مائة ألف دولار !!
لقد تحرك ضمير الغرب فامتدت يده إلى محفظته متبرعا بكرم عجيب ، وتحجرت قلوب من كانوا السبب الرئيسي في ما وصلت له حالة الإنسان هناك ،  والمرأة بصورة خاصة من بؤس غير مسبوق ، ونفضوا أيديهم من المشكلة الأفغانية وأداروا ظهورهم لها وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد . واستمرت صورهم في الظهور على صفحات الملاحق الدينية وتكررت لقاءاتهم التلفزيونية وارتفعت أرصدتهم المصرفية ولسان حالهم يقول : فالتذهب أفغانستان برجالها ونسائها إلى الجميع فقد أدت ما عليها من واجب اتجاه الصحوة ولا مجال للاستفادة مما يحدث بها من أهوال في جمع الأموال عن طريق السنابل وغيرها من طرق تقصير السروال ، بعد أن " كوكش " من كوكش على الأرصدة الكبيرة في الحسابات الشخصية ، ونسوا فجأة الدعوة وما فيها وما لها وما عليها ، وسكتوا جميعا في نفس الوقت وكأن ما كان في بطارياتهم من قوة قد " ذهب مع الريح "  !!!
أحمد الصراف
29/10/98

الارشيف

Back to Top