زهور السهلي

اضطررت قبل سنوات للقيام بأكثر من زيارة اسبوعية لمستشفى ابن سينا، وكنت احرص على ايقاف سيارتي بعيدا عن مواقف المستشفى والسير مشيا لمسافة مائتي متر تقريبا للمبنى الرئيسي، وكنت افعل ذلك اما بسبب عدم وجود مواقف خالية في ساحة المستشفى، او لرغبتي في المرور على مجموعة الحدائق الجميلة التي كانت، ولا تزال، تحيط بالمستشفى من كل صوب والتمتع بمنظر زهورها المتنوعة والجميلة وتنسيقها الرائعِ ومن فرط اعجابي بتلك الحديقة ودقة تنسيقها قررت يوما الاتصال بمدير المستشفى لأشكر المسؤول عن ذلك الجهد الطيب الذي صرف على تلك الحديقة الرائعة، فدعاني المدير لزيارته في مكتبه عند مراجعتي التالية للمستشفى.
اكتشفت في تلك الزيارة ان الدكتور عبداللطيف السهلي، مدير مستشفى ابن سينا، هو الذي كان شخصيا وراء فكرة انشاء تلك الحديقة والاهتمام بهاِ واكتشفت كذلك انه شخص غير عادي بمقاييس 'موظف الدولة' التي نعرفها، حيث يتميز، ليس فقط بكونه صاحب فكر خلاق، وهو الشيء الذي يدعي الكثيرون ملكيته، بل بقدرته على فعل شبه المستحيل لتحويل افكاره تلك الى حقيقة وواقع من دون انتظار ميزانية من هنا، وموافقة ادارية من هناكِ وان فكرة تلك الحديقة الجميلة لم تكن لتتحقق لو اختار الطريق الروتيني المعروف لاخراج فكرتها الى حيز الوجود.
لم تكن تلك اول ولا آخر انجازاته الصغيرة في حجمها والكبيرة جدا في معناها، وما تطلبه تنفيذها من جهد ووقت، بل اكتشفت ان هناك الكثير من الاعمال التي قام هو وطاقم المستشفى بتنفيذها بصمت جميل والتي لا يتسع المجال هنا لسردها جميعا بعد ان رأيتها واطلعت عليها بنفسيِ ويكفي التأكيد هنا ان تلك الاعمال الخيرة ليس فقط لم يتم قصرها على فئة دون اخرى من المواطنين، بل امتد اثرها لحالات مرضية شملت العديد من اصحاب الجنسيات الاخرى، وخاصة تلك التي تنتمي لدول 'لا ترغب' حتى سفاراتها في التدخل والمساعدة في 'ترحيل' الحالات الميئوس منها لتموت بسلام بين اهاليها(!).
ان زيارة تفقدية واحدة للمستشفى، والسير في اروقته، والسؤال هنا وهناك عن نوعية ما يقدم من خدمات 'خاصة' لا علاقة للمستشفيات التقليدية بها، كفيلة بتوضيح مدى ما يبذل من جهد في ادارة المستشفى بطريقة حضارية.
* * *
حضرت ضمن مجموعة كبيرة من رجال المال والاعمال والصحافة وبعض اعضاء مجلس الامة وعدد من كبار موظفي الدولة، وعلى رأسهم السيد وزير الصحة، حفل افتتاح جناحين كاملين في مستشفى ابن سينا تم تجديدهما، وفرشهما بالكامل على حساب ورثة من عائلة الزبن الكريمةِ وقد انتهزت فرصة انشغال الجميع بقص شريط الافتتاح والاستماع لكلمات الاطراء والشكر والحرص على التواجد بجانب وزير الصحة لزوم الظهور في صور صحف اليوم التالي، وذهبت بعكس اتجاه الركب الى الجناح المخصص للنساء، واخذت اتفحص الاسرة ونوعية البياضات وما وضع في كل غرفة ومكتب من معدات وادوات واجهزة، ولاحظت بعين 'شبه خبير' وعامل في هذا المجال، مدى جودة تلك المواد والادوات والتي لا يمكن ان نجدها عادة في مستشفيات الدولة بسبب قانون مناقصات اخرق يجبرك دائما على اختيار الارخص سعرا، وعادة ما يكون الاسوأ اداء وعمرا وكفاءةِ كل هذا، بالرغم من ايماننا الشديد بالمثل الشعبي القائل: من استرخص قطعة اللحم ستخونه المرقة في نهاية الامر (!)ِ ووجدت ان من قرر ان يعيد تأثيث تلك الاجنحة على حسابه قد فعل ذلك بنفس طيبة وعقل راجح.
تحية للمدير الصامت دِ عبداللطيف السهلي، والذي نأمل ان نسمع ونرى من امثاله في اكثر من دائرة ومستوصف ومركز، وشكرا لآل الزبن الكرام على تبرعهم الصامت والكريم.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top