خذوه وغلوه

كتب الكثيرون وشتموا ولعنوا وأدانوا اصحاب المؤسسات والشركات، وخاصة تلك التي تقوم باستخدام أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة في مشاريع الحكومة وغيرها.
وطالبوا، وكان آخرهم الزميل عبدالحميد البلالي، اصحاب القرار بالتدخل و'لجم' اصحاب الشركات وتقديمهم للمحاكمة والحجز على أموالهم وسحب تراخيصهم ان لم يقوموا بتسديد رواتب هؤلاء المظلومين من العمال.
ونزيد على قائمة الزميل تلك اسماء اصحاب الشركات التي لم تتوقف عن دفع رواتب عمالها ولكنها تصر على تشغيلهم لساعات اطول بكثير من ساعات العمل القانونية وتسكنهم في ظروف شديدة البؤس وتدفعهم دفعا للتسول في الشوارع والطرقات.
***
ان الأمر ليس بهذه البساطة، ومن السذاجة الاعتقاد بأننا متى وضعنا المقاولين في السجن بعد سحب تراخيصهم ومصادرة أموالهم، فإن هذا يعني ان المشكلة ستختفي بصورة تلقائيةِ ان الحق، برأيي المتواضع، ليس على اصحاب شركات النظافة او المقاولات التي تقوم بتشغيل اعداد كبيرة من العمالة الرخيصة، وانا هنا لا انتمي لأي منها، ولا اعتقد ان اللوم يجب ان يلقى على أكتاف اصحابها وتحميلهم وحدهم مسؤولية الوضع المأساوي الذي وجد، ولا يزال يجد، آلاف العمال انفسهم فيه، والذي لا يمكن ان يقبله إنسان في قلبه رحمة وبرأسه عقل، بل ان المسؤولية الكاملة تقع اولا وثانيا وثالثا على عاتق الحكومة ممثلة بلجنة المناقصات المركزية بالذات! فهي التي بدأت بخلق المشكلة، وهي التي تملك الحل الفوري لهاِ والأمر لا يحتاج الا الى قرار اداري بسيط وتنتهي مشكلة العمال وحقوقهم الانسانية المسلوبة، وربما الى الأبد.
فلجنة المناقصات المركزية تقوم دائما وأبدا بترسية المناقصات، ومنها ما يتعلق بأعمال النظافة او تلك التي تتطلب اعدادا كبيرة من العمالة الرخيصة، على اساس اقل الأسعار.
ولجنة المناقصات تقرأ وثائق المناقصات وتعلم بأن بند اجور العمال في تلك المناقصات هو الاساسي فيهاِ كما تعلم اللجنة بأن مبلغ 23 دينارا، مثلا، كراتب شهري لعامل نظافة غير كاف لإعالة فرد واحد فما بالك بأسرة صغيرة، خاصة إذا ما علمنا ان غالبية هؤلاء يقومون بدفع مبالغ كبيرة من المال لوسطاء معينين مقابل حصولهم على شرف العمل في الكويت؟ ولجنة المناقصات تعلم ايضا بأن اقل الاسعار لا يعني دائما أعدل الأسعار للدولة والمقاول وللعاملِ والأهم من كل ذلك ان لجنة المناقصات برئيسها الفاضل الجديد واعضائها الموقرين يعلمون جيدا بأنهم غير ملتزمين بترسية اي مناقصة على أساس 'أقل الاسعار'، ولهم الحق بالتعاون مع الجهة الراسية، على استبعاد العروض التي لا تتفق وقناعات اعضائها، ولكن على الرغم من ذلك تمت ترسية عشرات بل آلاف المناقصات على هذا الأساس رغم علم اللجنة التام باستحالة تنفيذ الكثير منها في ظل الظروف العادية وبدون ظلم لطرف ما او لجوء لوسائل غير قانونية او اخلاقية لتجنب الخسارة المحققة.
وعليه، فإن المطلوب هو ان تكون الحكومة، او لجنة المناقصات المركزية، اكثر 'انصافا' وهي تقوم بترسية مناقصات الدولة وان تتم الترسية على اقرب الاسعار للسعر العادل والمدروس والمعروف للجنة عن طريق المكتب الاستشاري او الجهة المعنية، او من خلال ارقام تكلفة المعيشة في الكويت.
وعندما نفعل ذلك، وعندها فقط، يحق لنا ان نلعن المؤسسات والشركات وندينها ونشتم 'سنسفيل' اصحابها لعدم انسانيتهم ونصادر اموالهم ونلغي تراخيصهم ونزج بهم في السجن وبئس المصير إن هم أساؤوا معاملة سيئي الحظ هؤلاء من العمالة الرخيصة.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top