رحلة العمر

التقيت به في ديوانية الاثنين كالمعتاد، وجاء مكاني بجانبه مباشرة، وفجأة التصق بي وهمس في أذني بانه، وصديقنا المشترك، 'بوصلوح' ينويان القيام برحلة الى منتجع سان تروبيه الفرنسي! وان صديقا لبنانيا وزوجته سيكونان بانتظارهما مع اليخت الخاص، وتمنى علي الانضمام اليهما واكد لي اننا سنقضي جميعا وقتا ممتعا 'للغاية' اعجبتني كلمة 'للغاية'، وشدتني للفكرة وجعلتني اقرر مشاركتهم تلك الرحلة.
امران جعلاني ارجئ اعطاء موافقتي الفورية على الاقتراح: ضيق الوقت، حيث ان السفر سيكون بعد ايام ثلاثة فقط، والامر الآخر يتعلق بضرورة الحصول على موافقة وزارة الداخلية المنزلية على امر السفر الى مكان خطير مثل سان تروبيه وبدونها!.
استمر دوي كلمة 'للغاية' يرن ويطن في اذني طوال الليل، ولم يغادرني حتى ساعات الصباح الاولى وفقط بعد ان قررت الاتصال فور وصولي المكتب بشركة السفريات للاستفسار عن توفر مقاعد الى سان تروبيه.
حدثنا حرمنا المصون بالامر بعد ظهر ذلك اليوم فلم تبد اعراضا كبيرا، ولكن ذكرتني بولدنا محمد، الذي يدرس في اميركا، وكيف انه اولى بالزيارة خاصة انه بصدد الانتقال من سكن الجامعة الداخلي الى شقة صغيرة، وكيف ان عليه، وهو الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة، القيام بمهمة الانتقال منفردا وما يعنيه ذلك من شراء متطلبات الشقة من أثاث وادوات واجهزةِِ الخ، وما يعني ذلك من نقل وتحميل كل تلك المواد وترتيب الشقة وتنظيفها، كما اننا لم نره منذ فترة ومن المهم جدا زيارته والاطمئنان عليه وما يعنيه استمرار التواصل العائلي معهِ كما تود الزوجة، من ناحية أخرى، زيارة لندن لأمر خاص بها والسفر الى نيويورك لأمور خاصة أخرى! وكيف ان كل هذه الامور اولى بكثير من السفر منفردا الى ذلك المنتجع الفرنسي بدونهاِ وافقت على مضض على اقتراحها، بالرغم من ان قلبي 'نأز' من موضوع 'بعض الامور الخاصة'! وارضاء لها ولخاطري قمت، مساء ذلك اليوم، بتعديل خط الرحلة بحيث شبكنا باريس ولندن ونيويورك ومنيابولس بسان تروبيه والعودة بعد 20 يوما الى الكويت وبالطريق والطريقة نفسيهما.
سبقنا صديقنا الى سان تروبيه وقررت وبوصلوح الالتحاق به بعد يومين، حسب برنامج الرحلةِ وكان اليوم يوم خميس وما ان وصلنا صالة المغادرين في مطار الكويت حتى اكتشفنا مدى سذاجتنا وقلة خبرتنا في السفر صيفا! فالازدحام، وعلى جميع الدرجات، كان على اشدهِ وكان المطار يعج بمئات الركاب وعشرات آلاف المودعين 'البطاليه'ِ واكتشفنا متأخرين انه كان علينا ارسال من يقوم عنا بمهمة وزن الحقائب وتجنب الانتظار كل ذلك الوقت في طابور طويل وممل وبطيء الحركة.
اضطررنا للانتظار لأكثر من ساعة حتى جاء دور وزن حقائبنا واثناء ذلك رن جرس الهاتف النقال واذا بزوجتي تخبرني بأن تذاكر السفر التي اخذتها معي غير صحيحة حيث ان ابننا يدرس في مدينة صغيرة قريبة من إنديانا بوليس وليس منيا بولس كما كنت اعتقد(!!) وان علي ان اغير تذاكر السفر فورا والا فسأخسر كامل قيمتهاِ قمت من فوري بالاتصال بمكتب السفريات وطلبت منهم اصدار تذاكر معدلة وارسالها الى المطار في التو واللحظة، حيث لا يزال هناك متسع من الوقت قبل اقلاع الطائرة في رحلة نتوقع ان تكون مليئة بعناء السفر وكآبة المنظر!
مر الوقت سريعا ولم تصل التذاكر وتكرر الاعلان عن موعد الاقلاع اكثر من مرة وتعبنا من الوقوف في كل ذلك 'الشوب' خارج المبنى بانتظار قدوم سائق شركة السفريات حاملا التذاكر الجديدة، وعندما دقت الساعة وأزف الموعد قررت تحمل خسارة قيمة التذاكر ولا خسارة الرحلة بكاملها، تدفعني كلمة 'للغاية' وتشد من أزري.
توجهت نحو جوازات الخروج وانهيت معاملة ختم جواز السفر وما ان اصبحت خارج الكويت رسميا حتى رن جرس الهاتف مرة أخرى وتبين ان السائق قد وصل المطار وانه موجود في الخارج، فطلبت منه الدخول والاقتراب من صالة المغادرين لكي التقي به، وعدت ادراجي الى صالة المغادرين ودخلت الى البلاد مرة أخرى بالرغم من ان جواز سفري قد تم ختمه بختم المغادرة ولم يسألني اي من عشرات رجال الامن عن سبب عودتي بعد ان ختمت جواز سفري بختم الخروج ولم اتبرع من طرفي بشرح الامر لأحد، واخذت التذاكر الجديدة من السائق واعدت له القديمة وعدت الى داخل المطار وبراءة الاطفال في عينيِ
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top