دموع في 'فويل' (2)

كنت افتخر، وانا صغير، بالمجموعة الكبيرة والقيمة من الكتب التي كنت امتلكها والتي كانت تتضمن روايات من عيون الادب العالمي وابحاثا ودراسات وسيرا تاريخية وشخصيةِ وكنت اعتقد بانني افهم اقراني واكثرهم اطلاعاِ الى ان كان ذلك اليوم من صيف 69 عندما دخلت مكتبة 'فويل' للكتب في لندن واخذت اتجول بين مئات الممرات وأقلب النظر في عشرات الاف الارفف المكتظة بملايين الكتب، احاول بكل ما كنت امتلك من لغة انكليزية متواضعة معرفة عناوين، وليس موضوعات، ما كان في تلك المكتبة الضخمة من ثروة ادبية وعلميةِ واخذت رويدا رويدا أكتشف، وانا انتقل من طابق لآخر ومن مبنى لآخر ملاصق له، زيف ما كنت اعتقده من معرفة وخطل ما كنت ادعيه من اطلاع، فما كنت اقتنيه في الكويت من مؤلفات وقصص وسير لم يكن اكثر من ترجمات مختصرة ومشوهة لا تتعدى بضع مئات من الصفحات المهلهلة مقارنة بالنصوص الاصلية لتلك الكتب والتي تجاوز عدد اجزاء البعض منها الاربعة او الخمسة اجزاء، وبعدد صفحات يزيد عن الثلاثة آلاف صفحة!
وهنا احسست، والدموع تتساقط من عيني على ارضية المكتبة الخشبية المتهالكة، كم كنت ساذجا في ما كنت ادعيه من معرفة، وكم كنت جاهلا بحقيقة ما انتجه الفكر العالمي من تراث لا يقدر بثمن.
كان ذلك قبل 32 عاما بالتمام والكمال تغيرت اثناءها اشياء كثيرة، واصبحت اكثر حرصا على قراءة النصوص بلغتها الاصلية، ما امكن ذلك، وان استحال مثل هذا الامر فان اسم وسمعة المترجم كانا الفيصل بين الشراء وعدمه.
وتدريجيا، ومع مرور الايام استعدت ثقتي بنفسي وبمعلوماتي واصبحت أعتقد مرة اخرى بانني اعرف امورا واشياء تتجاوز ما يعرفه الكثيرون!
الى ان جاء ذلك اليوم الذي زرت فيه مركز البحوث والدراسات الكويتية، واخذت اتنقل في ارشيف المركز وامر بين الارفف والممرات انقل النظر بين آلاف الكتب القيمة وآلاف غيرها من المستندات والمخطوطات والخرائط التي احتواها الارشيف، وهنا احسست بذلك الشعور الغريب والحزين نفسه الذي انتابني قبل عقود وانا ازور مكتبة 'فويل'، واكتشفت بأنني لا ازال ذلك الجاهل النهم للمعرفة، وبأنني لم اتجاوز ابدا مرحلة طلب العلم، وبأن ما كنت اعتقد بمعرفته لم يكن يتجاوز حقيقة ما كان موجودا على جزء من احد ارفف ذلك الارشيف القيم في ذلك المركز الذي تحدثت عنه امس بتفصيل اكثرِ واكتشفت مرة اخرى مدى جهلي بوطني وقلة معرفتي بتاريخه وتراثه وثروته الادبية والفكرية والمبدعين من ابنائه.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top