لكما الله يا طارق وعبدالله

لست مجبرا بطبيعة الحال، وقبل البدء في كتابة هذا المقال، لكي أقسم بكل عزيز وغال بأنني لست ضد كافة الممارسات الدينية، ولكني سأفعل ذلك من باب تطمين القلوب ليس إلا.

بعد ان أسررت لقريب لي بيأسي وقلة حيلتي من اقناع مسؤولي وزارتي التربية والشؤون بالموافقة على فتح مدرسة متخصصة لبطيئي التعلم، وبعد ان حفيت قدماي، أو كادتا، من طرق ابواب كافة القيادات السياسية، وبعد ان وجدت الصد وعدم الرغبة في التعاون والمساعدة من كثير من رجال الاعمال المعروفين والمغمورين، طلب مني قريبي مرافقته لزيارة احد المتنفذين من الطائفة الشيعية وعرض مشروعي الخاص بإنشاء مدرسة غير ربحية لذوي الاعاقات الخاصة عليه، فلربما يستجيب لطلبي بسبب عظم الاموال الخيرية التي تقع تحت تصرفه من جهة وبسبب الطابع الإنساني للمشروع.
ترددت كثيرا في قبول عرضه المغري، فهذه اول مرة منذ ما يقارب نصف قرن ادخل فيها في مثل هذه التجربة وأزور فيها مثل هؤلاء الرجال، ولكن نبل الهدف وضرورته للآلاف من الاطفال المحرومين من نعمة التعليم بسبب جهل وتخلف حكوماتنا وانظمتنا التعليمية قضيا على كل تردد.
جلست بجانب ذلك الرجل الجليل وشرحت له المشروع وأعطيته ما كان 'في حوزتي' من أوراق وأرقامِ استمع إلي باهتمام أولا وتابعني باهتمام أقل وتصفح أوراقي بعدم اكتراث، وعندما مط شفتيه الى الامام عرفت جيدا ان فكرتي الإنسانية والتعليمية والمستقبلية لم تجد ترحيبا لديهِ وهنا لم أشأ تفويت الفرصة، حيث انني حضرت مجلسه وجلست في ديوانيته، وعلي بالتالي ان اقول له ما كان يجول في بالي وخاطري منذ أمد طويل!.
قلت له: من الواضح انك غير مقتنع بالفكرة أساسا، وانك حتى على غير استعداد لمناقشتها معي او تحويلها لجهة مختصة لدراستهاِ فهز رأسه بطريقة فهمت منها انه يوافقني الرأي هذه المرة فقطِ فقلت له: دعني أقل لك طالما انا هنا، للمرة الأولى والأخيرة، ان تخلفنا وتخلف انظمتنا وشعوبنا نابعان اساسا من نظرتنا الى الكثير من الأمور.
فانت رافض حتى مبدأ المناقشة في هذا الموضوع لعدم اعتقادك بانه يستحق التفكير فيه أليس كذلك؟ فتماديت اكثر وقلت له ان من الواضح انك لا تمتلك الحق في التصرف فيما تحت يديك من اموال خيرية على مشاريع 'فاشلة أخرويا'، خصوصا ان اصناف مستحقي الزكاة هم الفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها وفي الرقاب والغارمون والسائرون في سبيل الله وابن السبيل، اما من هم في حال ابني وعشرات الآلاف غيره من بنات وأبناء الغير من بطيئي التعلم وذوي الاحتياجات التربوية والمعيشية والتعليمية الخاصة فلم يرد بهم نص يتعلق بالأجر والثواب، ولو كانت مساعدتهم مسألة مطلوبة 'دنيويا'ِ فقال لي: تستطيع ان تقول ذلكِ وقلت له ان حتى نظام الخمس، حسب تفسير الإمامية الاثني عشرية، وطبقا لنص الآية الكريمة رقم 41 من سورة الانفال، لم يتم شمل هؤلاء، فالخمس لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيلِ فسكت ومال بجسده قليلا عني وكأنه يود اعطائي ظهرهِ وهنا شعرت بان علي المغادرة، فالحجي في واد وانا في واد آخر، وقمت مستأذنا بعد ان تبين لي ان زيارتي كان من الممكن ان تكون اكثر جدوى لي وللمجتمع والدين والمذهب والطائفة والعالم لو انحصر طلبي في انشاء 'حسينية' او بناء مسجد او الصرف على نفقات مجموعة من طلاب العلم الديني.
خرجت من المجلس أو الديوانية لا ألوي على شيء، وتجولت في مختلف الشوارع والطرقات ومررت بكافة المباني والساحات، وتبين لي عدم وجود ولو مدرسة او مؤسسة او مبنى واحد يهتم بنشر او تدريس الثقافة أو العلوم الحديثة او حتى المدارس العادية بنيت او اسست من اموال الخير بالرغم من مليارات الدولارات التي تم تجميعها هنا وهناك باسم الخير والزكاة والخمس وغيرها.
عدت الى البيت وقلت لطارق وأقرانه المجتمعين في حفل عائلي صغير: لكم الله وأموال ودموع آبائكم وأمهاتكم.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top