الى المعنية بالامر (3/3)

حيث ان فرض الديموقراطية من اعلى ليس بالامر المقبول ولا بالمستساغ، حتى من اكثر الحكومات ليونة واستعدادا للتعاون، فإن رفض الفكرة ومحاربتها بشراسة من غالبية انظمة الحكم في منطقتنا التي استلم الكثير من رؤسائها مقاليد الحكم من على ظهر الدبابة، لم يفاجئ احدا، ولهذا تطلب الامر، من وجهة النظر الاميركية، التدخل عسكريا لفرض الديموقراطية على شعوب المنطقة ودولها، وترسيخ مفاهيم العدالة بينها من خلال مختلف المؤسسات التشريعية والمدنية، وتنظيم استغلال ثروات البلاد والقضاء على الفساد المستشري في مختلف الجهاتِ ووجدت حكومة الولايات المتحدة ضالتها في حكومة بغداد، التي تعتبر واحدا من اكثر الانظمة التسلطية كراهية في العالم، لتكون عبرة للاخرين، حيث وجدت ان نجاحها في تغيير نظام الحكم في تلك الدولة سوف يخلص شعبها من واحد من اكثر انظمة الحكم قسوة ورهبة في العالمِ كما ان نجاحها في القضاء على ذلك النظام سيبعد عنها خطر تعرضها لاعتداء بأسلحة الدمار الشامل، التي فشلت تلك الدولة في اثبات عدم امتلاكها لهاِ كما ستكون تلك الحرب رسالة واضحة المعنى لانظمة حكم دول المنطقة الاخرى، وخاصة القمعية منها، بأن عليها القيام بشيء ما من اجل تطبيق الديموقراطية وارساء دعائم العدالة في بلادها.
ومن المهم التنويه هنا بما يعتقده البعض بان هذا التحرك الاميركي سيصب في نهاية الامر في صالح اسرائىل، وانها ستجبر الفلسطينيين على قبول الشروط الاسرائىلية دون نقاش!!
وربما يكون هذا صحيحا، ولكن ليس في المطلق، فما سيصيب المنطقة كلها من خير، طال انتظاره، اكثر بكثير مما ستفقده نتيجة للتدخل الاميركي في شؤونهاِ فقد ترك العالم الكثير من انظمة الحكم لدينا على حالها لاكثر من نصف قرن لعلها تقوم بفعل شيء ما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية والانسانية والمعيشية لشعوبها، فلم تفعل هذه غير بناء المعتقلات بدلا من الجامعات، وتشييد الاسوار العالية بدلا من السدود، والضرب تحت الحزام بدلا من توفير الرخاء لشعوبها!! والاصح القول بالتالي ان الادارة الاميركية تدرك جيدا ان من الصعب استتباب سلام في المنطقة من غير حل عادل للقضية الفلسطينيةِ مع العلم بأن اي حل جدي وسريع سيكون افضل بكثير من هذا الانتحار البطيء الذي نراه الان هناك!!

ثم تأتي المرحلة الاخيرة، الاخطر والاهم، في سلسلة الاهداف التي تسعى الادارة الاميركية الى تحقيقها في سعيها للقضاء على كل ما يشكله الارهاب الدولي من خطر عليها، وهي المرحلة المتعلقة بالقضاء على الاسباب المعنوية والفكرية التي كانت وراء نشوء 'فلسفة' الارهابِ وهي مرحلة تعتقد بعض الجهات بأنها ستكون الاشق والاطول، والتي سيحتاج النجاح فيها الى اقتناع انظمة الدول المعنية بالامر بضرورة وامكانية تغيير عملية التشكيل الفكري لافراد ومجتمعات دول المنطقة وشعوبها في كل ما يتعلق بمناهجها ومقرراتها واساليب التعليم في مؤسساتها التربوية، وتعديل وتغيير لغة الخطاب الديني والاعلامي في مختلف الاجهزة والمؤسسات!!
من اجل كل ذلك وقفت حكومات السودان واليمن وليبيا وسوريا والجزائر وايران وغيرها الكثير، صراحة، او استحياء، مع النظام العراقي، ليس حبا فيه، بل خوف مما تخبئه الايام لها!!
وللاسباب نفسها وقفت كافة الاحزاب الدينية المسيسة، وغيرها، بكافة منظريها ومفكريها، ومجموعة من الدول الاخرى المتعاطفة مع هذه الاتجاهات، مع مجموعة كبيرة اخرى من 'المفكرين' والكتاب والاعلاميين، المسلمين والعرب، مع النظام العراقي، ورفعت صور صدام في كل تظاهرة وموكب!!
فجميع هؤلاء يعلمون المصير الذي ينتظرهم ان نجحت اميركا في حربها مع العراق وفرضت اسلوبها وطريقة تفكيرها وهيبتها على دول المنطقة!!
(انتهى)
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top