بئس هذا التفكير

ما المدى الذي يمكن ان يسيطر فيه انسان على تفكير انسان آخر، بحيث يقوم بتشكيل فكره بالطريقة التي تناسبه، دون اللجوء الى ادوية او اساليب ارهابية او وسائل غسل المخ؟
لا اعتقد ان من السهل تحقيق ذلك، فلكل فرد اهواؤه وطباعه الخاصة التي من الصعب على الآخرين كشفها او معرفتها بسهولةِ ويمكن اعتبار علاقة الوالدين بأبنائهما هي الاكثر تأثيرا في مستوى العلاقات الانسانية، حيث لا يكتفي الابناء بأخذ جينات والديهم، بل يقومون بتقليدهم في كل شيء تقريبا، سواء في الطعام او الملبس او المشربِ كما يقوم الطفل عادة بتعلم عادات وتقاليد ومعتقدات ابويه واتباعها دون تفكير، مهما تطرفت تلك الآراءِ وبالرغم من هذا التأثير الابوي الكبير في الابنة، او الابن، فإن الوالدين لا يساءلان عن تصرفاتهما غير السوية، ولكنهما حتما سيحاسبان ان هما تسترا على جرائم ابنائهما.
نقول ذلك بمناسبة الجرائم المقززة التي اقترفها بعض الجنود الاميركيين المنحرفين ضد مساجينهم من العراقيين، وما اثارته تلك الجرائم من سخط واستنكار على مستوى مختلف دول العالم، والمتحضر منه بالذات.
وبالرغم من ان القيادة الاميركية استنكرت بشدة تصرفات جنودها، وتعهدت بتقديمهم للمحاكمة، وبالرغم من ان من قام بتسريب صور التعذيب كان من العسكريين الاميركيين، وبالرغم من ان وسائل الاعلام الاميركية هي التي فجرت الفضيحة، وبالرغم من قيام القيادة الاميركية باستنكار الحادث بشدة، والقول انها تشعر باشمئزاز شديد لوقوع تلك الجرائم، وبالرغم من ان كل هذه الامور تعتبر من صلب الممارسة الديموقراطية، وعنوان حرية الفرد فإن البعض فضل عدم الالتفات اليها، والقيام بدلا عن ذلك بالطعن في الديموقراطية الاميركية والاستهزاء بها، والسخرية من ادعاء الاميركيين وتعهدهم بنشر الحرية والديموقراطية في العراق.
لا ادري حقيقة ما علاقة ما قام به الجنود الاميركيون من اعمال وحشية مخالفة للقانون بالمبادئ الديموقراطية، والتي لولا وجودها في تلك الدولة المتهمة بانتهاكها لما فكر اي من جنودها بتسريب صور التعذيب الى خارج السجن، ولما قام آخرون منهم بتوصيلها الى وسائل الاعلام الاميركية التي قامت، وبموجب قواعد الديموقراطية الاميركية العريقة، بعدم التردد ببثها تلفزيونيا على العالم اجمع بحيث اصبحت اهم اخبار الحرب في العراق منذ تحريره من قبضة صدام.
ان القيادة الاميركية، او اي قيادة حرة اخرى، لا يمكن لها، كما لا يمكن لأي اب، ان يضمن تصرفات ابنه، مهما علت مرتبة تربيتهِ ولكن القيادة او الاب، يلام متى تقاعس، وهو القادر، على توقيع الجزاء على الطرف المخالفِ فأي جيش في العالم لا يستطيع ضمان تصرفات جنوده في كافة الاوقات وجميع المواقع مهما كانت وحشية تلك التصرفات او مخالفتها لأوامر القيادة، ولكن السكوت عنها هو الجرم الذي لا يغتفر.
ان الديموقراطية الصحيحة هي التي كشفت تلك الجرائم، وتلك الديموقراطية بالذات هي الكفيلة بمعالجة آثارها ومحاولة منع وقوعها مستقبلاِ وهكذا تتعلم الشعوب من تجاربها وتتقدم، بينما لا نكتفي نحن بالبقاء في اماكننا، ولكننا نصر على التراجع خطوة الى الوراء كل يوم.
***
ملاحظة (1):
لقد وصلت الحال في مختلف 'ديموقراطيات المنطقة' حدا اصبحت فيه الاستعانة بالشيطان لتخليصها مما اصابها من ظلم وتعسف وقهر طوال نصف القرن الماضي امرا لا مفر منهِ ومن المؤكد ان حال الكثير من دول المنطقة سوف لن يكون اسوأ بكثير، ان لم يكن احسن، مما هو عليه الآن.
***
ملاحظة (2):
بعد فشل الاجتماع النيابي الجماهيري الذي دعت الى عقده جهات متطرفة دينيا في اروقة مجلس الامة، وفشل مسيرة 'النباطة' التي دعت لها الاحزاب الدينية المسيسة تضامنا مع 'شعب الفلوجة'، وفشل محاولات المتعصبين الدينيين في منع اقامة حفلات 'ستار اكاديمي' في الكويت، والنجاح في افشال كافة محاولات الجهات الموالية لتنظيمات خارجية من طرح موضوع اغلاق كلية الشريعة للنقاش العام، بعد ان كان الحديث عن هذا الامر من المحرمات، نجحت القوى الوطنية المستقلة اخيرا في اكتساح انتخابات جمعية كيفان التعاونية وابعاد المحسوبين على التيار الديني عن مجلس الجمعية للمرة الاولى منذ ما قبل الغزو الصدامي الحقير، علما بأن هذا هو النصر الثاني في سلسلة طويلة من الانتصارات المتوقعة، بعد النجاح الذي حققه طلاب وطالبات اميركا في انتزاع اتحاد الطلبة من براثن التخلف التي جثمت عليه لسنوات طويلة.
والى مزيد من الانتصارات على قوى التجهيل والتعقيد والحجر على الحريات المدنية والسياسية.

الارشيف

Back to Top